هذا باب المستثنى
  ووجهه أن العامل فرّغ لما بعد «إلا» وأن المؤخّر عامّ أريد به خاص؛ فصحّ إبداله من المستثنى، لكنه بدل كل، ونظيره في أن المتبوع أخّر وصار تابعا «ما مررت بمثلك أحد»(١).
= فإن قلت: فكيف يكون إبدال (شافع) من (النبيون) من قبيل بدل الكل من الكل، وشافع أعم من النبيين، ونحن لو أبدلنا قوله (النبيون) من شافع - لو أن الكلام جاء على ترتيبه الطبيعي فقيل (إذا لم يكن شافع إلا النبيون) - كان من قبيل بدل البعض من الكل؟
قلت: قد كان يلزمنا لو أبقينا اللفظين على معناهما الأصلي أن يكون البدل من قبيل بدل الكل من البعض، لأن اللفظ العام قد صار بدلا واللفظ الخاص قد صار مبدلا منه، واللفظ العام كل واللفظ الخاص بعض من هذا الكل، ولكن جمهرة النحاة ينكرون أن يكون هناك بدل يعتبر بدل كل من بعض، فأما الذين لا ينكرون هذا النوع من البدل، ويستدلون على صحته بأنه وارد عن العرب في نحو قول الشاعر:
رحم اللّه أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطّلحات
فإنهم يبقون العام على عمومه والخاص على خصوصه ويجعلون هذا البدل بدل كل من بعض، وأما الذين ينكرون هذا النوع من البدل فإنهم يتخلصون من ذلك بأن الاسم الذي كان مبدلا منه - وهو شافع - لم يبق على عمومه حين صار بدلا، بل صار خاصا بحيث يساوي في مدلوله اللفظ الذي كان بدلا فصار مبدلا منه - وهو قوله النبيون - وإذا تساوى البدل والمبدل منه في المدلول يكون البدل بدل كل من كل، وهذا هو الذي أشار المؤلف إليه بقوله: «وأن المؤخر (يريد قوله «شافع») أريد به خاص، فصح إبداله من المستثنى، لكنه بدل كل» اه.
(١) أصل هذه العبارة (ما مررت بأحد مثلك) فقولهم (بأحد) جار ومجرور متعلق بمررت، ومثلك - بالجر - نعت لأحد، فقدم فصار الكلام (ما مررت بمثلك أحد) فقولهم بمثلك جار ومجرور يتعلق بمررت، وأحد: بدل من مثلك، وقد صار في هذه العبارة الثانية الاسم الذي كان متبوعا تابعا، والاسم الذي كان تابعا صار متبوعا، وإن اختلف نوع تبعيته، فبعد أن كان التابع في الأصل نعتا صار التابع في العبارة الثانية بدلا، فلا عجب إذن في أن يتغير نوع البدل فيصير بدل كل من كل بعد أن كان بدل بعض من كل. =