أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب الحال

صفحة 305 - الجزء 2


= فإن قلت: ألستم تقولون: إن الحال يشبه الخبر، وقد علمنا أن خبر المبتدأ كما يكون جملة خبرية محتملة للصدق والكذب يكون جملة طلبية، وذلك مما يقول به جمهور النحاة فإنه لم يخالف في صحة مجيء الخبر جملة طلبية إلا ابن الأنباري، فلماذا لم يصح مجيء الحال جملة طلبية؟

قلت: الحال كما يشبه الخبر يشبه النعت، وقد أعطي الحال في هذا حكم النعت، ولم يعط فيه حكم الخبر، ولذلك سر حاصله أن الخبر حكم على صاحبه، والأصل أن الحكم يكون مجهولا قبل أن يتكلم المتكلم به فيقصد بكلامه إفادة السامع إياه، ولا كذلك الحال والنعت، فإن النعت لتعيين المنعوت أو تخصيصه، وما به التعيين أو التخصيص لا بد أن يكون معلوما للمخاطب قبل التكلم، ولما كان الطلب لا يحصل مضمونه إلا بعد الكلام لم يصلح للتخصيص ولا للتعيين، فلم يصح أن يقع حالا، ولما كان الحال قيدا للعامل في صاحب الحال حملوه على النعت في هذا لقرب شبهه به فيه، فاعرف هذا.

والخلاصة أن الأمين المحلي ادعى في قوله (ولا تضجر) ثلاثة أمور؛ الأول: أن الواو للحال، وثانيها أن لا ناهية، وثالثها أن الفتحة في المضارع فتحة بناء، وأن الرد عليه، أنا لا نسلم أن الواو للحال، بل هي الواو التي بمعنى مع، ولا نسلم أن لا ناهية، بل هي نافية، ولئن سلمنا أن لا ناهية وأن الفعل المضارع مبني بعدها، فإن هذا لا يفيدك في ادعاء أن جملة الحال قد جاءت طلبية؛ لأنا نجعل الواو عاطفة، وجملة النهي معطوفة بهذه الواو على جملة الأمر التي هي قوله اطلب.

بقي أن نقول لك: إنه قد ورد في الحديث النبوي ما ظاهره وقوع الحال جملة طلبية، وذلك في حديثين أحدهما قوله عليه الصلاة والسّلام: «وجدت الناس أخبر نقله» إذا جعلت وجد بمعنى أصاب كانت جملة (اخبر تقله) في محل نصب حال، هذا بحسب الظاهر، والثاني قوله : «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا هاء وهاء» فإن هاء اسم فعل أمر بمعنى خذ، والجملة بحسب الظاهر في محل نصب حال، وقد خرج العلماء هذين الحديثين بأن الجملة الطلبية في كل منهما في محل نصب مقول لقول محذوف هو الذي يقع حالا، وتقدير الكلام في الحديث الأول: وجدت الناس مقولا فيهم اخبر تقله، وتقديره في الحديث الثاني: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا قائلين خذ وخذ، الأولى يقولها البائع، والثانية يقولها المشتري. -