هذا باب حروف الجر
  والأولى أن تقدّر (كي) مصدريّة فتقدر اللام قبلها؛ بدليل كثرة ظهورها معها، نحو: {لِكَيْلا تَأْسَوْا}(١).
= بعض الأوقات دليل على أن هذا الموضع محل له، ألا ترى أنه لما ظهرت (من) بعد (لا) النافية للجنس في قول الشاعر:
فقام يذود النّاس عنها بسيفه ... وقال: ألا لا من سبيل إلى هند
قضوا لذلك بأن بناء اسم (لا) لتضمن معنى (من) الاستغراقية؟ ومثله ظهور (من) قبل التمييز أحيانا، ونحو ذلك كثير من تعليلاتهم.
ومثل بيت الشاهد في ظهور (أن) المصدرية بعد كي قول الشاعر:
أردت لكيما أن تطير بقربتي ... فتتركها شنّا ببيداء بلقع
ومثله قول الآخر، وأنشده أبو ثروان:
أردت لكيما أن ترى لي عثرة ... ومن ذا الّذي يعطى الكمال فيكمل
(١) سورة الحديد، الآية: ٢٣، واعلم أولا أنه لا خلاف بين أحد من النحاة في أنه قد ورد عن العرب الفعل المضارع منصوبا بعد كي غير المسبوقة بلام التعليل ولا المتبعة بأن المصدرية من غير شذوذ ولا ضرورة، ومن ذلك قوله تعالى: {فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ} وقوله سبحانه: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ}، ومن ذلك قول النابغة الذبياني:
وقفت فيها طويلا كي أسائلها ... عيّت جوابا، وما بالرّبع من أحد
كما أنه لا خلاف بين أحد من النحاة في أن الفعل المضارع قد جاء في فصيح الكلام من غير شذوذ ولا ضرورة منصوبا بعد كي المسبوقة بلام التعليل، ومن ذلك الآية التي تلاها المؤلف {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ} وقوله تعالى: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ}، وقوله سبحانه: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً}، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا ... لكي يعلموا أنّ الهوى حيث تنظر
وقد جاء في قليل من كلام العرب مجيء المضارع منصوبا بعد كي وقد توسطت بينهما أن المصدرية كما في الشاهد رقم ٢٩٠ والبيتين اللذين ذكرناهما في شرحه، وورد عنهم في قليل من كلامهم مجيء المضارع منصوبا بعد كي وقد توسطت بينهما اللام نحو قول عبد اللّه بن قيس الرقيات:
كي لتقضيني رقيّة ما ... وعدتني غير مختلس
=