هذا باب حروف الجر
= ثم اعلم ثانيا أن النحاة يختلفون في الناصب للمضارع في كل وجه من هذه الوجوه، فذهب الأخفش إلى أن الناصب للمضارع في جميع هذه الأوجه هو أن المصدرية، فإن كانت مذكورة فالأمر ظاهر، وإن لم تكن فهي مقدرة، والسر في هذا أن الأخفش يرى أن (كي) لا تكون إلا حرف جر دال على التعليل، فإن ذكرت اللام قبلها كما في الآية الكريمة {لِكَيْ لا يَعْلَمَ} وكما في قول عمر:
لكي يعلموا أن الهوى حيث تنظر
كانت هذه اللام للتعليل، وكانت (كي) بدلا منها، وكانت أن مضمرة بعدهما، وإن ذكرت اللام بعد كي كما في قول ابن قيس الرقيات:
كي لتقضيني رقية
كانت اللام بدلا من كي التعليلية، وأن مقدرة بعدهما.
وذهب الخليل بن أحمد إلى أن الناصب للمضارع في كل هذه الوجوه هو (أن) المصدرية، فإن كانت مذكورة في الكلام فالأمر ظاهر، وإن لم تكن مذكورة فهي مقدرة، والسر في ذلك أن الخليل | لا يرى أن للمضارع ناصبا غير أن المصدرية مظهرة أو مضمرة.
وذهب جمهور الكوفيين إلى أن الناصب للمضارع في جميع هذه الوجوه هو كي نفسها، والسر في هذا أنهم يرون أن كي لا تكون إلا حرفا مصدريا ناصبا للمضارع مذكورا أو مقدرا، فإن ذكرت (أن) بعد كي كما في قول جميل:
كيما أن تغرّ وتخدعا
كانت أن مصدرية أيضا وكانت بدلا من كي، وإن ذكرت اللام بعد كي كما في قول ابن قيس الرقيات:
كي لتقضيني رقية
كانت اللام زائدة، ولهذا قالوا في قول العرب: (كيمه) إن ثمة فعلا مضارعا محذوفا، وهو منصوب بكي، و (مه) عبارة عن ما الاستفهامية وهاء السكت، وما الاستفهامية منصوبة المحل بالمضارع المقدر، وكأن قائلا قد قال لك: جئتك، فقلت له: كي تفعل ما ذا، وهذا تكلف لا ينبغي لك أن تقرهم عليه، فوق أنه يتضمن حذف صلة الحرف المصدري الذي هو كي، ويتضمن نصب اسم الاستفهام بعامل متقدم عليه، ويتضمن حذف ألف (ما) الاستفهامية في غير حالة الجر، وكل واحد من هذه الأمور الثلاثة مما لا يجيز جمهور النحاة ارتكابه، وقد سبق لنا ذكر ذلك (ص ٩ من هذا الجزء).
وذهب جمهور البصريين إلى أن (كي) تكون أحيانا حرف جر دالّا على التعليل، وتكون أحيانا أخرى حرفا مصدريا ناصبا؛ فهم لا يلتزمون الوجه الثاني كما التزمه الكوفيون، ولا يلتزمون الوجه الأول الذي التزمه الأخفش.
وعندهم أن (كي) تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع، ولا تحتمل غير هذا الوجه، في =