أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[فصل: في ذكر معاني الحروف.]

صفحة 21 - الجزء 3

  والثاني: بيان الجنس⁣(⁣١)، نحو: {مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}⁣(⁣٢)

  والثالث: ابتداء الغاية المكانية باتفاق، نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}⁣(⁣٣)، والزمانية، خلافا لأكثر البصريين⁣(⁣٤)، ولنا قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}⁣(⁣٥)، والحديث


(١) أكثر ما تقع (من) التي لبيان الجنس بعد (ما) و (مهما) لفرط إبهامهما، نحو {ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} {مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ}، وقد تقع بعد غيرهما نحو قوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ} ونحو الآية التي ذكرها المؤلف، والشاهد فيها في (من) الثانية، فأما الأولى فقيل: إنها زائدة، وقد أنكر جماعة من النحاة مجيء (من) لبيان الجنس، وقالوا: من في {مِنْ سُنْدُسٍ} وفي {مِنْ ذَهَبٍ} للتبعيض.

(٢) سورة الكهف، الآية: ٣١.

(٣) سورة الإسراء، الآية: ١.

(٤) اعلم أن محل النزاع بين النحويين إنما هو في مجيء (من) لابتداء الغاية الزمانية؛ فأهل الكوفة يثبتونه، وأهل البصرة يمنعونه، وأما ورودها لابتداء الغاية في المكان والأحداث والأشخاص فلا خلاف فيه، وقد استدل الكوفيون على مجيئها لابتداء الغاية في الزمان بقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} ولا شك أن {أَوَّلِ يَوْمٍ} من الزمان، وكذا قوله تعالى: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} وبالحديث الذي ذكره المؤلف، وببيت النابغة الذي ذكره أيضا، وسيأتي القول عليه، ويقول زهير بن أبي سلمى المزني:

لمن الدّيار بقنّة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر

وزعم البصريون أن (من) في الآية الأولى لابتداء الغاية في الأحداث، وأن التقدير: من تأسيس أول يوم، وذهبوا إلى أن (من) في الآية الثانية للظرفية، لا للابتداء، وقدروا مضافا في الكلام لتكون (من) لابتداء الغاية في الأحداث، أي: من صلاة يوم الجمعة، وكذلك فعلوا في بيت النابغة، فقدروه: من استمرار يوم حليمة، وأنكروا رواية بيت زهير، وذكروا أن الرواية الثابتة الصحيحة * أقوين مذ حجج ومذ دهر * وستأتي للمؤلف (الشاهد رقم ٣٠٠)، ولئن سلمت رواية الكوفيين فيه فإن تأويلها ممكن، ومما أولوها به تقدير مضاف ليكون (من) لابتداء الغاية في الأحداث، أي: من مرور حجج ومرور دهر، أو تقدير (من) تعليلية، أي: أقوين من أجل مرور حجج ومرور دهر، والظاهر من عبارة المؤلف في المغني اختيار مذهب البصريين، خلافا لما اختاره هنا.

(٥) سورة التوبة، الآية: ١٠٨.