هذا باب حروف الجر
  بهل(١)، وأن يكون مجرورها نكرة، وأن يكون إمّا فاعلا، نحو: {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ
= المستفهم، وكأن قائلا قد قال: هل كان من مطر. فقيل له: قد كان من مطر وكأن قائلا قد قال: هل كان من حديث! فقيل له: قد كان من حديث، وهذا تكلف لا نرى لك أن تذهب إليه.
وذهب الأخفش والكسائي وهشام إلى أنه تجوز زيادة (من) بغير شرط، فتزاد بعد الإيجاب وبعد النفي، ويجوز أن يكون مدخولها معرفة وأن يكون نكرة، ويجوز أن يكون واقعا في أحد مواقع الإعراب التي فصلناها لك فيما سبق ويجوز أن يكون واقعا في غير هذه المواقع.
واستدلوا على ذلك بأنها جاءت زائدة ومجرورها معرفة ولم يسبقها نفي أو شبهه في قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} زعموا أن (من) في هذه الآية الكريمة زائدة، وذنوبكم: مفعول به ليغفر، وهو معرفة لإضافته إلى الضمير، ولم يتقدم عليه نفي ولا شبهه، وزعموا أنهم ذهبوا إلى تقدير من زائدة في الآية الكريمة لكي يتطابق معناها مع قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} واستدلوا أيضا بقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ} زعموا أن من زائدة، وسيئاتكم، مفعول به ليكفر، وهذا المفعول معرفة لإضافته إلى الضمير، ولم يتقدم على «من» نفي ولا شبهه.
والجواب عن هذا الاستدلال أنا لا نسلم أن (من) في الآيتين الكريمتين زائدة، بل هي أصلية، ومعناها التبعيض، ويدل لصحة ذلك أنك لو قلت: يغفر لكم بعض ذنوبكم، ويكفر عنكم بعض سيئاتكم؛ لكان معنى صحيحا لا غبار عليه، وقولهم أردنا مطابقة الآية لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} قلنا: المدار على ألا يكون بين هذه الآية والآية المستدل بها تناقض، ولا تناقض على ما ذكرنا من المعنى، فإن الذي يناقض غفران جميع الذنوب هو عدم غفران شيء منها، فأما غفران بعضها دون بعض فلا يناقضه، وما الذي ينكر من أن يكون عمل من أعمال البر في ظرف معين مقتضيا عند اللّه تعالى غفران كل الذنوب، وعمل آخر من أعمال البر، أو العمل الأول نفسه في ظرف آخر مقتضيا عنده سبحانه غفران بعض الذنوب لا كلها، بل هذا الذي نذهب إليه أولى بأن نأخذ به، لأن أعمال البر ليست كلها سواء، ولا ظروف المكلفين سواء.
(١) جعل الفارسي الشرط كالنفي، واستشهد لذلك بقول زهير بن أبي سلمى المزني:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على النّاس تعلم