أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب الإضافة

صفحة 102 - الجزء 3


= ما قاله ابن مالك؛ لأن القبلية محالة في حقه سبحانه، فتعينت المعية، فالمعنى لم يك شيء يا إلهي معك قبل خلق العالم ثم وجد العالم، انتهى، ويدل لكون القبلية بمعنى المعية مقابلتها بقوله: وحدكا، فتدبر.

قال أبو رجاء: وحاصل هذا الكلام أن الأصل في المنفي بلما أن يكون مستمرّا إلى حال التكلم بالكلام، فإذا قلت (لما يقم زيد) دل هذا الكلام على انتفاء قيام زيد في الزمان الماضي مستمرا إلى الوقت الذي تتكلم فيه بهذا الكلام، ومنه قول الممزق العبدي، وقد تمثل به ذو النورين شهيد الدار أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه في رسالة كتبها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه:

فإن كنت ماكولا فكن خير آكل ... وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق

فإن معناه أنه لم يمزق في الزمن الماضي وأن عدم تمزيقه مستمر إلى وقت الكلام، أما منفي لم فإنه لا يلزم فيه استمرار نفيه إلى زمن التكلم، بل قد يكون النفي مستمرّا إلى زمن التكلم كما في قوله تعالى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} فإن الشقاء منفي عن زكريا عليه الصلاة والسّلام في الزمن الماضي ومستمر الانتفاء عنه إلى وقت التكلم، وقد يكون نفي مدخول لم منقطعا نحو قوله تعالى: {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} فإن المعنى أن الإنسان فيما مضى من الزمان لم يكن شيئا ولكنه صار بعد ذلك شيئا، هذه هي القاعدة الأصلية في الكلمتين، ثم إن ابن مالك مثل للمنفي بلم الذي انقطع نفيه بهذا البيت المستشهد به؛ فالمعنى عنده لم يكن شيء فيما مضى ثم انقطع ذلك فكان شيء وحدث قبل زمن التكلم، وابن هشام اعترض هذا التمثيل في المغني وقال في شأنه (وهو وهم فاحش) ووجه نظره أن الظرف الذي هو قول الراجز (قبلك) قيد في كان التي معناها حدث، فصار المعنى، لم يحدث شيء من الأشياء في الزمان الماضي قبلك ثم حدث شيء قبلك، وهذا محال؛ لأن شيئا من الأشياء لم يحدث قبل اللّه تعالى أصلا، ولكن العلماء انتصروا لابن مالك وصححوا تمثيله بهذا البيت، ووجهة نظرهم أنا لا نأخذ الظرف قيدا في الفعل المنفي بلم، بل نجعل الفعل مطلقا عن القيد، أو نجعل قبل بمعنى مع؛ فيكون المعنى على الأول: لم يكن شيء أصلا إلا أنت، ثم كان قبل زمان التكلم أو عنده شيء من الأشياء، ويكون المعنى على الثاني: لم يكن معك شيء أصلا في الزمان الماضي ثم صار معك في الوجود شيء، وكلاهما صحيح فتدبر هذا واحرص عليه.

الإعراب: (كنت) كان: فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، وتاء المخاطب =