هذا باب إعمال المصدر، واسمه
= يضاف إلى مفعوله، ولم يذكر أنه قد يضاف إلى الظرف.
فإن أضيف إلى الفاعل فقد يذكر المفعول بعده، نحو قوله تعالى: {وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ونحو قول رؤبة بن العجاج:
ورأي عينيّ الفتى أباكا ... يعطي الجزيل، فعليك ذاكا
وقد يحذف المفعول لكونه فضلة، ومن ذلك قول اللّه تعالى: {وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ} وقوله سبحانه: {رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ}.
وإن أضيف إلى المفعول فقد يذكر الفاعل بعد ذلك كقول الشاعر:
تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة ... نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف
ومن ذلك قول الآخر:
أفنى تلادي وما جمّعت من نشب ... قرع القواقيز أفواه الأباريق
ومن النحاة من يجعل إضافة المصدر إلى المفعول ثم ذكر الفاعل خاصة بضرورة الشعر، وهو رأي ضعيف، لوروده في قوله عليه الصلاة والسّلام (وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) ويحتمل ذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.
وقد يضاف إلى مفعوله ويحذف فاعله، ومنه قوله تعالى: {لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ} وحذف فاعل المصدر جائز لا غبار عليه، وهو مما يفارق فيه المصدر الفعل.
وقد تبين لك أن هذه الصور الأربعة جائزة في حال السعة: ثلاثة منها باتفاق، وواحدة على الراجح.
وإن أضيف إلى الظرف أتي بعد ذلك بمعموله، نحو قولك: (ضايقني قتال يوم الجمعة زيدا عمرا) وقد يفصل بين المصدر ومعموله بالجار والمجرور المتعلق به، ومن هذا قول الشاعر:
بضرب بالسّيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهنّ عن المقيل
وأما المصدر المنون فذكر المؤلف أن عمله أقيس، وذلك لأنه حينئذ أقرب شبها بالفعل من المضاف والمقرون بأل، بسبب أن الفعل في حكم النكرة، وأن الإضافة والاقتران بأل من خصائص الأسماء، ومما ننبهك إليه أن تجويز إعمال المصدر المنكر عمل الفعل هو مذهب جمهور البصريين وأكثر النحاة، ودليلهم على ذلك وروده في أفصح كلام نحو قوله تعالى: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ١٤ يَتِيماً} وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز إعمال المصدر المنكر، وعلى ذلك يقولون: إن ورد بعد المصدر المنكر اسم =