هذا باب نعم وبئس
  واختلف في كلمة (ما)(١) بعد نعم وبئس؛ فقيل: فاعل؛ فهي معرفة ناقصة -
= ونظير هذا البيت في دلالة التمييز على معنى زائد عما يدل عليه الفاعل - أن تقول (نعم الصديق صديقا وفيا) و (نعم الجار جارا أمينا على الحرم) و (نعم الأخ أخا يركن إليه في الشدة) وما أشبه ذلك.
ونظيره قول الكروس بن زيد أحد شعراء طيئ، وقد سبق إنشاده (ص ٢٤٨):
وقائلة نعم أنت من فتى ... إذا المرضع العوجاء جال بريمها
(١) اعلم أن (ما) الواقعة بعد نعم أو بئس على ثلاثة أضرب، وذلك لأنها إما ألا يقع بعدها شيء أصلا، وإما أن يقع بعدها اسم مفرد: أي ليس جملة ولا شبه جملة، وإما أن يقع بعدها جملة فعلية.
فإن كانت (ما) لم يقع بعدها شيء نحو أن تقول (صادقت عليا فنعما) أو تقول (اختبرت خالدا فبئسما) فللنحاة فيها قولان: أحدهما أن (ما) هذه معرفة تامة فهي فاعل، كأنك قلت: صادقت عليا فنعم الصديق واختبرت خالدا فبئس المختبر، والقول الثاني أن (ما) نكرة تامة فهي تمييز، وكأنك قلت: صادقت عليا فنعم صديقا، واختبرت خالدا فبئس مختبرا.
وإن وقع بعد ما اسم مفرد، نحو قولك (صادقت عليا فنعمّا هو) ومنه الآية الكريمة:
{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ونحو قولك (بئسما عمل بغير نية) فللنحاة فيها في هذه الحالة ثلاثة أقوال، الأول أنها معرفة تامة فهي فاعل، والثاني أنها نكرة تامة فهي تمييز، والاسم الذي بعدها - على هذين القولين - هو المخصوص بالمدح أو الذم، والقول الثالث - وهو قول الفراء - أن (ما) قد ركبت مع نعم أو بئس فصار الجميع كلمة واحدة هي فعل ماض لإنشاء المدح أو الذم، والاسم الذي يليها فاعل.
وإن وقع بعد (ما) جملة فعلية نحو قوله تعالى: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} وقوله سبحانه:
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} فللنحاة فيها حينئذ أقوال أربعة، الأول: أنها موصولة معرفة في موضع رفع على الفاعلية والجملة بعدها لا محل لها صلة، والثاني أنها نكرة في موضع نصب على التمييز، والجملة بعدها صفة لها وذلك رأي الأخفش والزجاج والفارسي أو الجملة صفة لمخصوص بالمدح أو بالذم محذوف، والقول الثالث: أن (ما) هذه هي المخصوص بالمدح أو بالذم وهي اسم موصول، والفاعل ضمير مستتر فيه، وهذا قول الكسائي، ونقل عن الفراء أيضا، الرابع أن (ما) هذه كافة لنعم أو بئس عن العمل فلا فاعل لواحد منهما، وفي هذا الموضع تفصيلات أخرى لم نرد ذكرها تحاشيا للإطالة.