هذا باب التوكيد
= إليه مبني على الكسر في محل جر (رجب) خبر ليت، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في آخره، هكذا يقول النحاة، والصواب - كما قلنا في مطلع الكلام على هذا الشاهد - أنه بنصب (رجبا) فإما أن يكون الشاعر قد جرى على اللغة الضعيفة التي تنصب بليت وأخواتها الجزأين وإما أن يكون (رجبا) مفعولا به لفعل محذوف تقع جملته خبر ليت، والتقدير: يا ليت عدة حول كله تشبه رجبا.
الشاهد فيه: قوله (حول كله) حيث أكد النكرة التي هي قوله (حول) لما كانت النكرة محدودة؛ لأن العام معلوم الأول والآخر وكان لفظ التوكيد من الألفاظ الدالة على الإحاطة وهو قوله (كله)؛ وتجويز ذلك هو مذهب الكوفيين، وهو المرضي عند ابن مالك.
وبيان ذلك أن النكرة تنقسم إلى قسمين، الأول النكرة المحدودة - وهي التي تدل على مدة معلومة المقدار - نحو أسبوع، ويوم، وليلة، وشهر، وحول، والثاني النكرة غير المحدودة - وهي التي تصلح للقليل وللكثير، نحو زمن، ووقت، وحين، ومدة، ومهلة، وساعة.
فأما النكرة غير المحدودة فلا خلاف في أنه لا يجوز توكيدها، لأن لا فائدة في توكيدها، ألا ترى أنك لو قلت (قد انتظرتك وقتا كله) لم يكن لذكر كله فائدة، لأن الوقت يجوز أن يكون لحظة ويجوز أن يكون زمنا متطاولا.
وأما النكرة المحدودة فقد ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز توكيدها بلفظ من ألفاظ التوكيد الدالة على الإحاطة والشمول ككل وجميع أو جمع، وقد استدلوا على ذلك بدليلين، أولهما وروده عن العرب المحتج بكلامهم كالبيت المستشهد به، وكقول الراجز:
قد صرّت البكرة يوما أجمعا
وكقول الراجز الآخر:
تحملني الذّلفاء حولا أكتعا
وثانيهما حصول الفائدة، أفلست ترى أن من قال لك (قد انتظرتك يوما) قد يعني أنه انتظرك زمنا معين الأول والآخر مقداره يوم، وقد يعني أن زمن انتظاره يقارب اليوم إما نصفه وإما ثلثيه وأنه تجوز في استعمال لفظ اليوم فاستعمله في أكثر ما يدل عليه من الزمن أو في أقل ما يتناوله، فإذا قال لك (انتظرتك يوما كله) فقد أزال بلفظ (كله) الاحتمال، وألست ترى أن من قال (صمت شهرا) قد يريد جميع الشهر، وقد يريد =