هذا باب التوكيد
  وأسهل منه قوله:
  [٤٠٨] -
  فأصبح لا يسألنه عن بما به
  لأن المؤكّد على حرفين، ولاختلاف اللّفظين.
= (أبدا) ظرف زمان منصوب بيلفى (دواء) نائب فاعل يلفى مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله: (للما) فإن الشاعر أكد في هذه الكلمة اللام الجارة توكيدا لفظيا بإعادتها بلفظها من غير أن يفصل بين المؤكد والمؤكد بفاصل، مع أن اللام ليست من أحرف الجواب، والتوكيد على هذا النحو شاذ، ولو أنه جاء به على ما تقتضيه العربية لقال: (لما لما بهم) وقد ذكر المؤلف هذا الشاهد ليقرر أن الشذوذ الذي فيه أقوى وأشد من الشذوذ الذي في قول الشاعر في الشاهد رقم ٤٠٥ (إن إن الكريم) وقد قرر في الشاهد السابق رقم ٤٠٦ أن قول الراجز (وكأن وكأن) أخف في الشذوذ مما في (إن إن) فيكون الشذوذ على ثلاث مراتب: شذوذ خفيف وذلك في (وكأن وكأن) لوجود فاصل ما بين الحرفين - وهو الواو العاطفة - وإن لم يكن الفاصل هو خصوص معمول الحرف الأول، وشذوذ شديد وذلك في (إن إن الكريم) لعدم الفاصل بتة، ولكون الحرف على ثلاثة أحرف هجائية فهو كالقائم بنفسه، وشذوذ أشد كما في قوله: (للما بهم) فإنه لا فاصل فيه بين الحرفين، والحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد؛ فهو كمن لا يقوم بنفسه، وسيأتي في البيت الآتي نوع آخر من الشذوذ، وهو ما نسميه أخذا من عبارة المؤلف (الشذوذ الأخف) فتصير الأنواع أربعة: شذوذ خفيف، وشذوذ أخف، وشذوذ شديد، وشذوذ أشد؛ وابن مالك يقرر في التسهيل - تبعا لابن عصفور - أن التوكيد على هذا الوجه ضرورة لا تسوغ إلا للشاعر حين يلجأ إليه إلجاء، والزمخشري يقرر في (المفصل) أنه جائز لا ضرورة فيه، حيث جعله مثل توكيد الفعل والاسم والجملة من غير تفرقة في الحكم، فاعرف ذلك.
[٤٠٨] - هذا الشاهد من كلام الأسود بن يعفر، وما أنشده المؤلف ههنا هو صدر بيت من الطويل، وعجزه قوله:
أصعّد في علو الهوى أم تصوّبا
اللغة: (لا يسألنه عن بما به) أراد أن الغواني لما رأين رأسه قد وخطه الشيب وأن متنه قد ضعفت لم يعدن يكترثن به فيسألنه عما هو فيه من وجع أو نحوه (أصعد) أراد ارتفع (تصوبا) أراد، استفل ونزل. =