أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[الكلام على فاء العطف، وما تنفرد به]

صفحة 321 - الجزء 3

  بالواو؛ وحجّة الجماعة أنّ التّقدير: بين أماكن الدّخول فأماكن حومل؛ فهو بمنزلة (اختصم الزّيدون فالعمرون).

[الكلام على فاء العطف، وما تنفرد به]

  وأما الفاء فللترتيب والتّعقيب، نحو: {أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ}⁣(⁣١)، وكثيرا ما تقتضي أيضا التّسبّب إن كان المعطوف جملة، نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ}⁣(⁣٢)، واعترض على الأوّل بقوله تعالى: {أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا}⁣(⁣٣)، ونحو: (توضّأ فغسل وجهه ويديه) الحديث، والجواب: أنّ المعنى أردنا إهلاكها، وأراد الوضوء، وعلى الثاني بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثاءً}⁣(⁣٤)، والجواب أنّ التقدير: فمضت مدّة


= يتحقق فيه ما تقتضيه (بين) من الإضافة إلى متعدد، وأما إذا قلت (جلست بين زيد وعمرو) فمعناه أن الجلوس قد تم بين الاثنين دفعة واحدة، وهذا معنى يليق بما تقتضيه (بين) مما ذكرنا، ولهذا كان الأصمعي يقول: أخطأ امرؤ القيس، وكان من حق العربية عليه أن يقول (بين الدخول وحومل).

وقد عني العلماء بتصحيح عبارة امرئ القيس؛ فذكروا أن كلمة (الدخول) لا يراد بها في هذا الموضع جزئي مشخص، وإنما يراد بها أجزاء ذلك المكان، فكأنه قال: (بين أماكن - أو أجزاء - الدخول) ثم عطف عليه اسما آخر بالمعنى الذي أراده من الاسم الأول، فكأنه قال: (فأماكن - أو أجزاء حومل) ولا شك أن هذا التخريج يصحح لك القاعدتين جميعا، فأنت ترى أن (بين) قد أضيفت إلى متعدد من النوع الأول الذي ذكرناه في نوعي التعدد السابقين، وأنه لا مانع حينئذ من العطف بالفاء لأن معناها يتحقق بعد هذا التأويل، ومع تصحيح هذا التخريج لعبارة امرئ القيس فإنا نراه تخريجا لا ينبغي أن تأخذ به، وقد تكرر في شعر امرئ القيس أيضا مثل ذلك، ومن ذلك قوله:

وما هاج هذا الشّوق غير منازل ... دوارس بين يذبل فرقان

وقد وقع مثل ذلك في قول كثير عزة:

ورسوم الدّيار تعرف منها ... بالملا بين تغلمين فريم

(١) سورة عبس، الآية: ٢١.

(٢) سورة القصص، الآية: ١٥.

(٣) سورة الأعراف، الآية: ٤.

(٤) سورة الأعلى، الآية: ٥.