الإستبصار في مختصر كتاب الإنتصار،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

باب التعزية

صفحة 217 - الجزء 1

  والاهتداء إلى طريق الخيرات.

  وتكون التعزية إلى الصغير والكبير وإلى النساء والرجال، لكن لا تعزى الشواب إلا الأرحام خشية الافتتان.

  ويكره الجلوس للتعزية، وهو أن يجتمع أهل الميت لمن يعزيهم في المساجد والساحات؛ لأن ذلك بدعة لا تعرف من جهة السنة، بل يتوجه كل في حاجته، ويعز في سوقه ومسجده، وتكره التعزية بعد ثلاث إلا لمن كان بعيداً، فلا تكره، واجتماع النساء في المجالس وتعديد الميت لمحاسنه وخصاله وذكر مناقبه لا بأس فيه، لأنه لما يكى على قتلى أحد، ولم يكن لحمزة زوجة، ولا أهل في المدينة، قال النبي ÷: «أما سمع الأنصار ذلك أخرج حمزة فلا ب بواكي له». فلما ترجوا نساء هم فبكين على حمزة والرسول ÷ يسمع وعددنه بمحاسنه، وذكرن جهاده وأوصافه الجميلة، فلما فرغن قال لهن الرسول ÷: «انصر فن يرحمكن الله فلقد آسيتن».

  والمقارضة جائزة، وهي: أن يخرج اثنان من أهل الميت، واثنان ممن يأتي إليهم فيذكر الرجلان كلاماً مزدوجاً يشبه الزجر، ويجيبهما الآخران بمثله، فإن خرج إلى الأذية والهجاء حرم، وهذا كما يفعله أهل المعازب من حجة والشريف وحملان، وغيرهم، والبكاء جائز، وقول الرسول ÷: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». فيه تأويلات ثلاثة.

  الأول: أنه أوصى أن يبكي عليه، كما كانت الجاهلية تفعل، ولهذا فإن عبد المطلب قال لبناته أبكينني وأنا أسمع، وقال طرفة ابن العبد:

  إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يا أم معبد.

  التأويل الثاني: أن المعنى في قوله: «ببكاء أهله عليه» أي بما كانوا يقولون أنه يفعل في حال الحياة من الظلم والقتل، بأن يذكرون ذلك افتخاراً.