الإستبصار في مختصر كتاب الإنتصار،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

كتاب: السير

صفحة 525 - الجزء 2

كتاب: السير

  السير: جمع سيرة، كقوله: ميرة ومير، وحيلة، وحيل، والسيرة: هي الطريقة، يقال: فلان: حسن السيرة، وهي مصدر سار يسير، يقال: سار سيراً وسيرة ومسيراً. واعلم أن الله جل وعلى، لما أراد اكرام الرسول ÷ بالنبوة، فأول ما بدئ به من الوحي المنامات الصادقة، فلا يرى شيئاً إلا كان، كفلق الصبح، وكانت الخلوة محببة إليه وكان يخرج إلى حرى، وهو جبل بقرب مكة، ولم يعبد قبل النبوة وثنا ولا صنما، ولهذا قال ÷: «ما كفر بالله نبي قط وكان لا يمر بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليكم يا رسول الله ولا يرى أحداً فيفزع من ذلك»، وقد ظهرت عليه الكرامات في حمله في بطن أمه ومولده، وإرضاعه وفطامه، فلما بلغ الأشد وهو أربعون سنة فأتاه جبريل # الكلام وهو في حرى فقال يا محمد اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق، ففزع من ذلك، وراح إلى خديجه، ثم قال: زملوني دئروني، وأخبرها بقصته، فقال: أتاني شخص أترين بي جنة، فقالت: ما كان الله ليفعل بك هذا، ثم قالت: إذا جاءك فعرفني، فلما جاء جبريل، قال لها: قد جاني فاقعد به على فخذها الأيمن وقالت: أين هو؟ فقال: واقف فأدارته إلى فخذها الأيسر، وقال كذلك فكشفت رأسها، فقالت: أين هو؟ قال: قد غاب قالت: ابشر، فإنه ملك، ولو كان شيطانا لم يغب بكشف العورة.

  ثم أمره الله تعالى بالانذار بقوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ ٢}⁣[المدثر]، وبقوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ٢١٤}⁣[الشعراء].

  وكان ÷: يخاف على نفسه من قريش إن دعاء فنزل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}⁣[المائدة: ٦٧]، فضمن له بالعصمة من الناس فجمع الناس ودعاهم،