باب الأمان
باب الأمان
  تجوز مصالحة أهل الشرك على مال يسلمونه للمسلمين، لأن في ذلك صغار لهم وذلة، وأما العكس فلا يجوز إلا إذا خشي على المسلمين أمر هائل، لما روي أن الحرث بن عوف رئيس غطفان قال للرسول ÷: إن جعلت لي يا محمد ثلث ثمار المدينة وإلا ملأتها عليك خيلاً ورجالاً، فقال ÷: «حتى أشاور السعود» يعني: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وسعد بن زرارة، فشاورهم فقالوا: يا رسول الله، إن كان هذا بأمر من السماء فسمعاً وطاعة، وإن كان هذا برأيك فرأينا تبعاً لرأيك، وإن لم يكن بأمر من السماء ولا برأيك فوالله ما كنا نعطيهم في الجاهلية تمرة واحدة إلا قرى أو بيعاً، فحين أعزنا الله بك وبالإسلام نعطيهم فسرى عن وجه النبي ÷ واستبشر لكلامهم ولم يرد إلا دفع مضرتهم، وفرج الله على المسلمين برجوعهم خائبين.
  قال الإمام #: وعقد الذمة للأقاليم والأمصار، كالسند والهند والروم لا يكون إلا للإمام، لأن هذا من الأمور العظام.
  ويجوز لأحاد الولاة عقد الذمة على بعض القرى، وإذا أراد الإمام عقد الذمة نظر في ذلك، فإن كان في المسلمين ضعف جاز عقدها عشر سنين، كما فعل الرسول ÷ عام الحديبية، لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}[الأنفال: ٦١]، وإن كان الإمام مستظهراً عليهم لم يجز عقد الهدنة، لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[التوبة: ٢٩]، وقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحج: ٧٨]، وقوله: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}[محمد: ٣٥]، اللهم إلا أن يرجوا إسلامهم أو بذل الجزية إن كانوا من أهلها، فإنه يجوز مع قوة المسلمين واستظهارهم عقد الهدنة أربعة أشهر فما دونها، لقوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}[التوبة: ٢].