باب التعزية
  وحكي عن عمرو بن معدي كرب، وقدامة بن مظعون: أنهما كانا يذهبان إلى تحليل الخمر، وكان عمرو يحتج بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ...}[المائدة: ٩٣]. فقيل له: إن هذا كان فيما سلف فرجع عن هذه المقالة، ولم يحكم بكفرهما من حيث لم يكن قد استقر التحريم ولو أباحها أحد في زماننا لحكم بردته.
  قال الإمام #: في حديث أبي بكر مع بني حنيفة، وقول عمر له: كيف نقاتلهم، وقد قال الرسول ÷: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». فقال أبو بكر الصلاة من حقها، فالزكاة من حقها، والله لو منعوني عقالاً، وروي عناقاً، مما أعطوه رسول الله ÷ لقاتلتهم عليه. هذا الخبر يشتمل على عشرين فائدة:
  الأولى: أن الإسلام لا يحصل إلا بالإقرار بالشهادتين.
  الثانية: أن اعتقادها لا يكفي، لأنه قال: حتى يقولوا.
  الثالثة: أنهما إذا حصلا عصما الدم والمال.
  الرابعة الاستثناء، وهو قوله: «إلا بحقها»، وحقها الصلاة والزكاة، وسائر الأمور الدينية، فإن الدم قد يستحل بالقصاص، والمال بالديون.
  الخامسة: إن تكليف الحاكم إنما هو الحكم بظاهر الشرع، لقوله: «وحسابهم على الله».
  السادسة: أن المناظرة في مسائل الشرع جائزة؛ لأن عمر قال: كيف نقاتل؟ فأجابه أبو بكر فلم يتمالك أن رجع.
  السابعة: إن الاحتجاج بالعام جائز، ولهذا احتج به عمر.
  الثامنة وجوب الزكاة؛ لأن أبا بكر قال: من حقها الزكاة والصلاة.