[الفاء]
  بالنسبة إلى ما هو أقرب منه، نحو قوله تعالى: {أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}(١). فجئ بالفاء إما لقدرة اللّه جل سلطانه على إيجاده دفعه واحده، أو بالنظر إلى ابتداء الاخضرار بعد نزول المطر، فإنه واقع بغير مهملة بالنظر إلى انتهائه، وقوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ}(٢) وقد قيل: بين الخلقتين أربعون يوما، فجئ بالفاء لما ذكرناه، إما لقدرة اللّه على إيجاده دفعة واحدة، فهذا لا مهلة فيه، أو بالنظر إلى ابتداء الخلق، ولأن يتم في آخره بالنظر إلى انتهاء تمام الخلق، وقال بعضهم: إنها تفيد الترتيب بمهلة، واحتج بظاهر ما ورد، وقال الفراء:(٣) قد يكون ما بعدها أسبق إذا ذكرت قرينه نحو قوله تعالى: {ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى}(٤). {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}(٥)، {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا}(٦) وهو متأول، وقال الجرمي:(٧) هي للترتيب إلا في الأمكنة نحو:
  [٧٧٩] ... ... ... بين الدخول فحومل(٨)
(١) الحج ٢٢/ ٦٣.
(٢) المؤمنون ٢٣/ ١٤، وتمامها: {.. فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ...}.
(٣) ينظر معاني القرآن للفراء ٣/ ٩٥، والجنى الداني ٦٢.
(٤) النجم ٥٣/ ٨.
(٥) النحل ١٦/ ٩٨ وتمامها: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ}.
(٦) الأعراف ٧/ ٤ وتمامها: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ}.
(٧) ينظر المغني ٢١٤، والجنى الداني ٦٣.
(٨) قطعة من عجز بيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ٨، وينظر الكتاب ٤/ ٢٠٥، وسر صناعة الإعراب ٢/ ٥٠١، وجمهرة اللغة ٥٨٠، ومجالس ثعلب ١٢٧، وشرح شافية ابن الحاجب ٢/ ٣١٦، والإنصاف ٢/ ٦٥٦، وشرح الرضي ٢/ ٣٦٦، ورصف المباني ٤١٦، والجنى الداني ٦٣، ومغني اللبيب ٢١٥، وشرح شواهد المغني ١/ ٤٦٣، وخزانة الأدب ١/ ٣٣٢، والبيت هو:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل