(باب: والشريعة)
  الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بَذّت(١) بلاغة كل ناطق وشقَّت غبار كل سابق ولم يتجاوز الحد الخارج عن قوى الفصحاء ولم يقع وراء مطامح أعين البصراء إلا لأنه ليس بكلام البشر وأنه كلام خالق القوى والقُدَر. قال: وهذا القول من القوة والخلاقة بالقبول بمنزلة.
  إلى أن قال: والوجه الثالث أن ترد السور مصدرة بذلك ليكون أول ما يقرع الأسماع مستقلاً بوجه من الإغراب وتقدمة من دلائل الإعجاز وذلك أن النطق بالحروف أنفسها كانت العرب فيه مستوية الأقدام الأُمِّيُّون منهم وأهل الكتاب بخلاف النطق باسامي الحروف فإنه كان مختصاً بمن خط وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلم منهم وكان مستغرباً مستبعداً من الأمي التكلم بها استبعاد الخط والتلاوة كما قال ø: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ٤٨}[العنكبوت]، فكان حكم النطق بذلك مع اشتهار أنه(٢) لم يكن ممن اقتبس شيئاً من أهله حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها في أن ذلك حاصل له من جهة الوحي وشاهد بصحة نبوته وبمنزلة أن يتكلم بالرطانة من غير أن يسمعها من أحد.
  قال: فإن قلت: ما محلها؟
  قلت: تحتمل الأوجه الثلاثة أما الرفع فعلى الابتداء، وأما النصب والجر فلما مر من صحة القسم بها وكونها بمنزلة «اللهَ واللهِ» على اللغتين ومن لم يجعلها أسماً للسور لم يتصور أن يكون لها محل في مذهبه كما لا محل للجمل المبتدأة وللمفردات المعدودة.
  قال: واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه
(١) في الكشاف: بزّت.
(٢) أي النبي ÷. (من هامش الأصل).