[تفسير الأجل المحتوم والمخروم]
  قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}، لا بل أراد سبحانه من ولي الأمر إخراج نفسه وإتلاف روحه وقطع عمره ليجد غِبّ ما اكتسب من فعله، وقال سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}[الإسراء: ٣٣]، فما هذا السلطان الذي جعله الله لولي المقتول عند من قال بهذا البهتان والزور من القول المخبول فلا يجدون بداً ولله الحمد من أن يقولوا إنه ما جعل الله له من القتل عليه وأطلقه له فيه بجناية يديه فله أن يقتل بقتله إن شاء وإن شاء أخذ الدية أو عفا.
  قلت: وهذا وإن كان رداً على الجبرية في قولهم إن المقتول مات بفعل الله ففيه دلالة واضحة على أن المقتول لو لم يقتل لعاش قطعاً ألا ترى إلى قوله: وجعل فيهم قدرة على أن يقتل بعضهم بعضاً، وقوله: وإتلاف روحه وقطع عمره.
  وقال # في الرد على المجبرة: ويُسألون أيضاً عمن قتل نفسه بيده، أقتلها وهي حية في بقية من أجلها، أم ميتة قد انقضى أجلها؟ فإن قالوا: قتلها وهي حية في أجلها؛ فقد أقروا أنَّه كانت لها(١) بقية فقطعها بيده، قَلَّت البقية أم كثرت. وإن قالوا: قتلها بعد أن فني أجلها؛ فكل ما فني أجله فهو ميت لا شك عند فناء أجله، وقتل ميت ميتاً محال.
[تفسير الأجل المحتوم والمخروم]
  وقال الإمام أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة: اعلم أن الأجل أجلان: أجل محتوم، وأجل مخروم.
  أما الأجل المحتوم فمن الله [تعالى] جعله كما شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وحَتَمهُ وقدّره، قال عز من قائلٍ: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ٦٠}[الواقعة]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً}[آل عمران: ١٤٥]، فهذا هو المحتوم، والأجل المخروم من فعل العباد، وهو
(١) كذا في الأصل. وفي كتاب الإمام الهادي #: له.