(فصل): [القرآن كلام الله تعالى وخلقه ووحيه وتنزيله]
[الاختلاف في الحكاية والمحكي وفي معنى الكلام والمتكلم]
  وأما الاختلاف في الحكاية والمحكي أي هل الحكاية هي المحكي أو غيره فقال العنسي أيضاً: وقد اختلف الناس في ذلك:
  فذهب الشيخان أبو الهذيل وأبو علي إلى أن الحكاية هي المحكي بناء على بقاء الكلام وتبعهما الإسكافي على ذلك في كلام الله تعالى وفي الشاهد قال: الحكاية غير المحكي.
  وذهب أبو هاشم إلى أن الحكاية غير المحكي وإن كان يقول بأن القراءة هي المقروء.
  قال: وهو الصحيح.
  والذي يدل على ذلك أنه قد ثبت أن الأصوات والحروف لا يجوز عليها البقاء فيجب فيما نسمعه ثانياً أن يكون غير ما نسمعه أولاً، وإن اتفق اللفظ والمعنى وإلا عاد على امتناع البقاء بالنقض والإبطال.
  وأيضاً فالحالّ في محلٍّ لا يصح أن يكون في محل آخر فكيف يصح أن يكون حالاً في زيد وفي عمرو إذا حكاه عن زيد.
  وأيضاً فالمعلوم ضرورة تعلق الأمر والنهي بما نسمع من قراءة القرآن واستحقاق الثواب إذا قرأه على حال الطهارة، والعقاب إذا قرأه على حال الجنابة فكيف يجوز أن يكون فعلاً له تعالى؟ وهل هذا إلا قول بأن أفعال العباد من الله تعالى أو أنا نستحق المدح والذم على فعله تعالى وهذا محال؟
  قلت: وقال الإمام أحمد بن سليمان # في معنى ذلك: واعلم أن النطق بالكلام على وجهين حكاية ومبتدأ فالمبتدأ ما ينطق به الإنسان ويبتدعه من نفسه من الكلام، والحكاية هو ما ينطق به من كلام غيره، من ذلك القرآن ففعله فيه الحكاية إذا تلاه والمحكي هو فعل الله وكذلك ما حكي من كلام المتكلمين فذلك الكلام لمن ابتدعه وهو مفعول له لما حكاه كما أن البنَّا والنحَّات والصانع