(فصل): في تنزيه الله سبحانه عن الحاجة
  وقول القاسم بن علي #: «والله فعظيم الشأن، قوي السلطان، لم يزل مدركاً للأشياء قبل تكوينها، ولا فرق بين دركه لها بعد تكوينها ودركه لها قبل تكوينها».
  قال #: (فإن قيل: فَبِمَ يدرك تعالى المدركات؟).
  قال #: (قلت وبالله التوفيق: يدركها على حقيقتها بذاته تعالى) لا بغيرها كما أنه تعالى عالم بذاته لا بغيرها، والمعنى أن إدراكه هو علمه، وعلمه هو ذاته ليس سمعه وبصره وعلمه غيره كما قد تكرر ذلك؛ (لبطلان الأمور) التي زعم بعض المعتزلة في صفاته تعالى أنها أمور زائدة على ذاته كما سبق ذكره، (و) بطلان (المعاني) أيضاً التي زعمت المجبرة في صفاته تعالى (كما مر) لهم، (وهذا هو معنى قول الأئمة) من أهل البيت ($) أي: من قال منهم: (يدركها) أي: المدركات (بعلمه؛ لأن علمه ذاته كما تقرر) في صفاته تعالى.
(فصل): في تنزيه الله سبحانه عن الحاجة
  اعلم أن بعض أهل علم الكلام يجعل مسألة كونه تعالى غنياً من صفات الإثبات، وبعضهم يجعلها من صفات النفي، ولهذا ترى أكثرهم يجعلها متوسطة بين صفات النفي وصفات الإثبات.
  قال الإمام يحيى # في الشامل: اعلم أن الكلام في تنزيه الله تعالى عن الحاجة إلى المنافع وتوابعها، وعن المضار وتوابعها لم يقع فيه خلاف بين أهل القبلة على اختلاف أهوائهم وتباين طرقهم، ولا حكي الخلاف في احتياج ذاته عن غيرهم من الفرق المخالفة لملة الإسلام.
  وقد تقدم في أثناء ما تقدم أنه تعالى غني عن إيجاد موجد وعن المكان والجهة إذ هما محدثان مخلوقان ومن خواص الأجسام والله سبحانه يتعالى عن ذلك.
  والمراد هنا تنزيهه تعالى عن الحاجة إلى المنافع وعن دفع المضار وتوابعهما، فقال الإمام #: (والله تعالى غني) عن كل شيء إذ الحاجة تدل على العجز