شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[شبه أخرى للملاحدة والجواب عليها]

صفحة 400 - الجزء 2

[شبه أخرى للملاحدة والجواب عليها]

  قال العنسي: وأما طعنهم باختلافه في أن بعضه محكم وبعضه متشابه فلا يصح لأن كلامنا معهم أولاً أنه عدل حكيم لا يفعل إلا الحسن فإذا عرفوا ذلك كفاهم في أن ذلك كله حكمة وصواب.

  وأيضاً فإنه تعالى أراد أن يكون دالاً على نبوءته ولن يتم ذلك إلا بالمخاطبة بضروب المجاز وتصريف الكلام بالزيادة والنقصان والتشبيه والأمثال والتقديم والتأخير وهذه هي وجوه المتشابه وقد أزاح العلة حيث أحالنا تعالى في ألا نأخذ بشيء من محتملات المتشابه إلا بما يوافق المحكم وهذا غاية الإيضاح والبيان، قال تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ...} الآية [آل عمران: ٧].

  فبين أن الضال إنما يؤتى من قبل زيغه وميله إلى المتشابه على غير رد منه إلى المحكم فلم يدع تعالى علة للمكلف يعتل بها ولا عذراً له يعتذر به.

  وأيضاً فإن الله تعالى لم يُرد أن يبقى العقلاء مهملين كالبهائم لا يتفكرون ولا يتدبرون صلاح أنفسهم فلم يكن بد من مزعج لهم إلى التفكر والتدبر والتدرب بالأنظار ليبلغوا إلى غاية الكمال ومعرفة ما يجب من ذي العزة والجلال وليس ذلك إلا بأن يتعجزهم في أنظارهم بما يبعثهم على النظر وتصقيل الفكر وليس ذلك إلا بما يحتاج إلى نظر من المتشابه، فأما ما لا يحتاج إلى نظر من المحكم فقد كفوا مؤنته وأعطوا معرفته من غير تعب ولا نصب وهذا كما يتعجز الحكيم تلميذه بأن يسأله عما يفتقر إلى النظر ولا ينال معرفته إلا بغامض الفكر ليهذبه ويؤدبه ويمرنه على الأنظار ويرده إلى الأفكار لئلا يعتاد الإهمال فيهوي في أودية النكال ويقعد به الإهمال في ساحات الجهال وأهل الغباوة من الرجال فالله تعالى أراد لنا معالي الأمور وأشرافها وكره لنا أراذلها وسفسافها.

  وأما طعنهم بتناقضه فقد بينا أن ذلك من فسادٍ في الألسنة وقلة استعداد بالآلة التي بها المعرفة وداء في القلوب كامن ورَيْنٍ عليها خاتم.