[كلام الإمام يحيى # على الملاحدة الباطنية]
[كلام الإمام يحيى # على الملاحدة الباطنية]
  وأما الملاحدة الباطنية: قال الإمام يحيى #: اعلم أن سائر الملل الكفرية قد أبادهم الله تعالى وقلع جرثومتهم وقوى رسم الإسلام وأعزه على ممر الدهور فلا يكاد يوجد في زماننا هذا أحد من المعطلة والدهرية والزنادقة والثنوية وسائر الملل المخالفة للإسلام إلا نادراً على القلة، وإنما الذين عظمت بهم المحنة وتراكمت بوجودهم البلوى هم هؤلاء الباطنية فإنهم خلق كثير في نواحي اليمن وأقطاره مجتهدون في نصب هذه الدعوة الملعونة والدعاء إليها يستدرجون الأغمار بلطيف حيلتهم ويستميلون الضعفاء بدقيق مكرهم وخديعتهم.
  واعلم أنهم لا يرجعون في الحقيقة إلى عقيدة معروفة ولا يستندون إلى ديانة موصوفة كسائر الأديان المخالفة لملة الإسلام وإنما غرضهم الأكبر بما يظهرونه من شعار الإسلام والإقرار بقواعد الدين هو الخديعة للبله وتغرير الضعفاء وتأنيس العوام حتى إذا أنسوا بهم واطمأنوا إلى مقالتهم أخذوا في إبطال قواعد الدين وهدم منار الإسلام وحل عراه عروة عروة.
  ومصداق ما قلناه أنهم لا يتمسكون في الخدع والتغرير بطريقة واحدة بل يميلون مع كل ريح فيأتون لكل أحد بما يلائم طبعه ويوافق هواه من أهل الإسلام وغيرهم ولا يألون جهداً في استدراج كل أحد عن دينه واستمالته إلى واحد من الأديان المخالفة لملة الإسلام كالثنوية والمجوس والفلاسفة والصابية وغيرهم، فتارة يقولون إن لهذا العالم صانعين هما خالقان له ومدبران وربان للعباد وأحدهما أعلى رتبة من الآخر وهما مع ذلك مخلوقان وأحدهما خلق قبل الآخر ويسمى أحدهما السابق والآخر التالي.
  وهذا الذي ذكروه استمداد من كلام الفلاسفة، وتارة يقولون إن الآلهة ثلاثة ليستدرجوا بذلك فرق النصارى لقولهم بالأقانيم الثلاثة وربما يقولون إن السابق فكر فكرة ردية فكرة زهو وعجب بنفسه فتولد من هذه الفكرة هذا