(باب: والشريعة)
  حكاه العنسي ¦ وقد حذفنا كثيراً من حججهم في ذلك لكثرة ذلك وطوله وعدم جدواه.
  وقوله فإن المتكلم في عرف اللغة والشرع هو المبتدئ بإحداث الكلام وإنشائه سواء سمع منه أو كان حكاية إلى آخره وجعله له قسماً ثانياً ليس بسديد لأنه بهذا المعنى في أصل اللغة أيضاً.
  فالمعلوم أنه من حكى كلام غيره فهو فاعل للحكاية والاتباع وإن كان ذلك الغير هو الذي ابتدأ ذلك الكلام واخترعه ورتبه ونظمه فهو فعله ابتداءً حقيقة لغوية وحكاية الحاكي فعله اتباعاً حقيقة لغوية كل ذلك في أصل اللغة لكن بالنظر إلى الجهتين وهما الاختراع والاتباع فلا وجه لجعل أحدهما حقيقة لغوية والثاني حقيقة عرفية أو شرعية والله أعلم.
  واعلم أن الحق في الكلام والأصوات أن نقول: الكلام هو المنتظم من الحروف والحرف هو الصوت كما سبق ذكره والكلام والأصوات من جملة الأعراض المحتاجة إلى الأجسام فكما أنه لا يعقل العرض إلا حالاًّ في الجسم كذلك الكلام والأصوات لا تعقل إلا حالة في غيرها ومحلها المتكلم والمصوت المخلوق وحين انفصالها محلها الهواء الذي هو جسم رقيق فطره الله سبحانه على حمل الأصوات وإدخالها إلى الآذان السامعات والمخلوق لا يقدر أن يتكلم إلا بآلة وبنية مخصوصة والخالق جل وعلا قادر على أن يخلق الكلام في أي محل من غير اشتراط بنية مخصوصة ومحل كلامه جل وعلا قلب من حكاه من عباده، والشجرة التي خلقه ø فيها.
  قال الإمام أحمد بن سليمان #: واعلم أن الكلام عرض والعرض لا بد له من شَبَح لأنه لا يقوم بنفسه وشَبَحه في حال الكلام المتكلم، وشبحه بعد ذلك الهواء لأن الله قد فطر الهواء على حمل الأصوات إلى الآذان السامعات لأن العرض لا يقوم بنفسه ولا يقطع المسافة وكذلك المصوت لا يقطع المسافة أيضاً