(باب: والشريعة)
  ودليل ذلك: أن أهل اللغة متى علموا أن الكلام وقع من الفاعل بحسب قصده وصفوه بأنه متكلم وإن فُقِد كل أمر يشار إليه مما عدا ذلك ومتى لم يعلموا ذلك أو علموا أنه حصل فيه لا باختياره لم يصفوه بأنه متكلم، وإن حصل كل أمرٍ يشار إليه مما عدا ذلك ولهذا وصفوا الواحد منا متكلماً بما يوجده وإن لم يصفوا الصدى بأنه متكلم ولا ناطق وإن كان قد قام به الكلام وحله ولما اعتقدت العرب في المصروع أن الكلام لم يحصل من جهته ولا وقف على أحواله بل إنما هو فعل الجن لم يصفوه بأنه متكلم به بل قالوا هو كلام الجن وبهذا يبطل قول الأشعرية إن المتكلم من قام به الكلام.
  قلت: ومما يبطل قولهم: أنا نتفق نحن وإياهم على أن الله سبحانه يوصف بأنه خالق رازق والخلق والرزق ليس قائماً به تعالى اتفاقاً.
  قال العنسي: وأما المعنى الثاني وهو المعنى العرفي والشرعي فإن المتكلم في عرف اللغة والشرع هو المبتدئ بإحداث الكلام وإنشائه سواء سمع منه أو كان حكاية عنه وغير فاعل لما سمع في الحال.
  ودليل ذلك: ما نعلمه من أن أهل العرف متى سمعوا صبياً ينشد قصيدة امرئ القيس وهي قوله:
  قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... ......................
  فإنهم يصفونه بأنه كلام امرئ القيس وشعره لا كلام الصبي وشعره وإن كانوا يقولون بأنه فاعل له في الحال لما كان امرئ القيس هو المبتئد لذلك وغيره هو المحتذي والحاكي وعلى هذا المعنى انتشر وظهر القول بأن هذا كلام النبي ÷ وخطبة الوداع وخُطب علي وفقه أبي حنيفة وفقه الشافعي وكلام المعتزلة وهذا معلوم عند أهل العرف والشرع ولا يدفعه إلا معاند وكل ما ذكرناه يبطل قول الأشعرية وقول الكرامية إن المتكلم هو القادر على الكلام والكلام هو القدرة على التكلم. انتهى ما أردنا ذكره في الكلام والصوت مما