(فصل): [القرآن كلام الله تعالى وخلقه ووحيه وتنزيله]
  وأيضاً إجماع الصحابة والتابعين على ذلك معلوم وأنهم كانوا يدينون بذلك ويقولون هو كلام الله لا كلام محمد ولا كلام غيره بل كانوا يكفرون من يقول ذلك ويعدونه من أعدائهم المحاربين لهم، وكانوا إذا اختلفوا في أمر قالوا: بيننا وبينكم كلام الله هذا القرآن فيشيرون إلى المتلو بينهم ويقول القائل: لا ندع كلام الله لكلام غيره ويضيفون أوامره ونواهيه وأخباره وقصصه إلى الله فيقولون: قال الله وقص لنا الله وأخبرنا الله.
  وأيضاً فإن هذا المتلو في المحاريب هو دليل صدق النبي ÷ ونهاية المعجز كما تقدم بيانه فصح ما ذهبنا إليه ومن أنكره فهو معاند جاحد للضرورة.
  (قالوا) أي الأشعرية والمطرفية: (ذلك) أي الكلام المسموع المتلو في المحاريب (مجاز) عن الحقيقة التي هي كلام الله وهو المعنى القائم بنفس المتكلم أو بنفس الملك الأعلى فعبر عنه بهذا الكلام المتلو في المحاريب.
  قالت الأشعرية: لأنه لا يشتق اسم الفاعل إلا من المعنى القائم بنفس الفاعل فيقال: أسود لما حل فيه السواد وقائم لمن حل فيه القيام فكذلك متكلم لمن حل فيه الكلام فلهذا كان الكلام صفة قائمة بذاته تعالى الله عن ذلك، وهذا قول بعضهم.
  وقال بعضهم: هو مشترك بين النفساني والمسموع كما مر ذكره في وصف الله تعالى بكونه متكلماً.
  (قلنا) رداً عليهم: قولكم ذلك جحد للضرورة كما سبق ذكره وهو مع ذلك (خلاف المجمع عليه عند أهل اللسان العربي) فإنهم لا يسمون هذا المتلو وغيره مما يتكلم به المتكلم من الكلام كلاماً مجازاً بل يسمونه كلاماً حقيقة معلومٌ ذلك من لغتهم ضرورةً واستدلالاً أيضاً (و) ذلك (لعدم الاحتياج إلى نصب القرينة) الدالة على أن المراد به خلاف ما وضع له (عند إطلاقه) أي هذا المتلو وغيره مما يتكلم به المتكلم (على المسموع) بحاسة الأذن فصح أنه