(فصل): في حكم الطريق إلى الإمام
  وإذا كان الداعي أبو بكر وعمر دل ذلك على صحة إمامتهما، وهذا معنى قولهم؛ (إذ الداعي لهم) إنما هو (أبو بكر إلى قتال بني حنيفة، وعمر إلى قتال فارس والروم)، قالوا: (لأن الآية خطاب للمخلفين) أي المتخلفين عن رسول الله ÷ في غزوة تبوك كما ذكرناه عنهم.
  قالوا: (و) المعلوم أنه (لم يدعهم النبي ÷) إلى قتال أصلاً (بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ}) من غزوة تبوك ({إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}) أي من المخلفين ({فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ}) إلى القتال ({فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ٨٣}[التوبة]، قالوا: فصح بهذا التدريج إمامة أبي بكر وعمر.
  (قلنا) في الجواب عليهم: ليس المراد في قوله تعالى: {سَتُدْعَوْنَ ...} الآية المتخلفين عن غزوة تبوك لما سيأتي من الدليل الواضح.
  وإن سلمنا أنهم المرادون على استحالته فليس المراد أن الداعي أبو بكر وعمر حتى يصح ما توهمتموه (بل المراد) بقوله تعالى: {سَتُدْعَوْنَ} (دعوة رسول الله ÷) للمخلفين وغيرهم (حين أمَّر(١)) النبي ÷ (أسامة بن زيد) وأمرهم بغزو الشام وأن يوطئوا الخيل تخوم البلقاء من أرض فلسطين (فتخلفوا) أي: هؤلاء المدعوُّون المخلفون وغيرهم (عنه) أي عن أسامة بن زيد وكان ذلك في مرض رسول الله ÷ وكان يقول: «أنفذوا جيش أسامة» فلم ينفذوا ما أراد ÷.
  (فهو) أي رسول الله ÷ (الداعي لهم) لا غيره.
  (ولا ينافي) ذلك قوله تعالى: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} (إذ لم يخرجوا معه) أي مع النبي ÷ (والآية) التي ذكروها وهي
(١) عبارة عن المتن: «حين أمَّر عليهم».