كتاب المنزلة بين المنزلتين
  يزل يفعل كذلك حتى دخله الغم، وعظم عليه الأمر؛ فانقلب على ظهره، وجعل يفكر وينظر، وخالطه من الوسوسة ما غلبه على أمره.
  فلم يزل كذلك حتى تقرح ظهره، ولزمه المرض العظيم، واشتد به الأمر، وتمادت به العلة، وذهبت ماشيته، وافترق ماله، ومات أولاده، ومرضت المرأة من الغم والحزن.
  ولما رأى ذلك من كان معه في المنزل أخرجوه صلى الله عليه إلى ناحية منه على خط الطريق، وليس يقدر أن يرفع يداً ولا رجلاً، واشتد به البلاء وهو مع ذلك صابر محتسب.
  فلما كان يوماً من الأيام مضى به نفر؛ فلما رأوه ونظروا إلى ما هو فيه من عظيم البلاء وشدة النتن، قالوا: والله لو كان هذا ولياً لله لأجابه وكشف ضره، ولما أصابه شيء من هذا.
  فلما سمع ذلك من قوله(١) نادى ربه: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}[ص: ٤١] فجاز أن يقول: مسني الشيطان بنصب؛ لما أن كان ذلك من وسوسته وكيده وسببه، فاستجاب الله له فقال: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[ص: ٤٢]، ولم يرفع يداً ولا رجلاً، فضرب برجله فانبثقت عليه عين وثارت وارتفعت، حتى كانت أكبر من جلسته، فجعلت تنسكب عليه، وهو يغتسل بمائها وهو يقلع عنه كل ميت، وينقي(٢) ما كان به من الأقذار، ويميط عنه الأذى، وجعل يشرب منها وتخرج ما في جوفه من العلة، حتى نقي بدنه، ورجع إلى أفضل ما كان عليه أولاً، ورد الله عليه أهله وماله، وأمره أن يأخذ ضغثاً، ويضرب المرأة كفارة اليمين التي حلف.
(١) كذا في الأصل، والذي في كتاب الإمام الهادي #: قولهم.
(٢) كذا في الأصل، وفي كتاب الإمام الهادي #: تنفي عنه.