(فصل): في ذكر حقيقة الإيمان لغة ودينا
  عنه، وقد يدخل في هذا الإيمان إيمان الإقرار والتصديق المحمود باللسان والقلب وغيره من أعمال جميع الجوارح المرضية لله، تقول العرب: آمن فلان نفسه، وآمن غيره أن يظلمه، فهو يؤمن نفسه ويؤمن غيره أمنا وأمانا وإيمانا، وبهذا الإيمان سمى الله تعالى نفسه فقال: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} فعنى بالمؤمن المؤمن عباده أن يظلمهم، والمهيمن الشهيد عليهم بأعمالهم ولهم. انتهى.
  وقال الهادي #: وأما الإيمان فإن المؤمن أمن نفسه من إتيان كبائر العصيان ومن اكتساب ما نهى الله عنه بيد ولسان إلى آخر كلامه # وهو مثل كلام الناصر #.
  وقال محمد بن القاسم @ في كتاب الشرح والتبيين: سئل أبي رحمة الله عليه ذات يوم ما الإيمان؟ فقال رحمة الله عليه: الإيمان معناه الأمان من كبائر العصيان إلى آخر كلامه #.
  وأما حقيقته في الشرع فقد اختلف فيه على عشرة أقوال: الأول والثاني والثالث قول (أئمتنا $ وجمهور المعتزلة والشافعي وبعض الخوارج) وهم الفضلية والبكرية والأزارقة والصفرية (أنه ديناً) أي في دين الإسلام بنقل الشارع له إليه: (الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات)، فهو اسم مدح يستحق به الثواب فيشمل الملائكة والأنبياء ومن له ثواب من الجن والإنس، وليس مشتقاً من التصديق بمعنى أنه لا يلزم إذا حصل تصديقٌ مَّا أن يسمى صاحبه مؤمناً فمن فعل الواجبات واجتنب المقبحات فهو مؤمن عند هؤلاء المذكورين كلهم.
  ثم اختلفوا فيمن أخل بشيء من الواجبات أو فعل شيئاً من المحرمات: فعند أئمتنا $ وجمهور المعتزلة والشافعي: لا يكفر بذلك إلا أن تكون المعصية مما دل الدليل القطعي على كفر صاحبها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فالمؤمن عندهم