كتاب المنزلة بين المنزلتين
  ونحن نسأل الله السداد وحسن الاستعداد ليوم المعاد وأن يهدينا أوضح الجوادّ وأن يختم لنا بصالح أعمالنا ولا يؤاخذنا بسيء أفعالنا.
  وأما من أثبت داراً ثالثة بين الجنة والنار فقوله باطل بالإجماع من الأمة، ولأن القول بذلك رد لصريح القرآن؛ لأنه لم يأت إلا بذكر الجنة والنار قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى ٣٧ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ٣٩ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات]، ولقوله ÷: «فما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار».
  وأما الأعراف التي ذكروا فإنما هي أعالي الجنة وما ارتفع منها، قال الهادي إلى الحق #: الأعراف هو ما ارتفع من الأرض وعلا وشمخ منها في الهواء فتلك أعراف الأرض ومعارفها، والرجال التي عليها في يوم الدين فقد قيل: إنها رجال من المؤمنين، وقيل: إنها الحفظة التي كانت من الملائكة المقربين حفظة في الدنيا على العالمين التي قال الله في كتابه وذكرهم وما أخبر به من حفظهم لمن كان من الخلق معهم حين يقول: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ١٧ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ١٨}[ق]، قال: وهذا فأشبه المعنيين عندي والله أعلم وأحكم.
  ومعنى: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ}[الأعراف: ٤٦]، فهو معرفة أولئك الحفظة لمن كانوا يحفظون.
  ومعنى يعرفون فهو: يتعرفون ويتفهمون حتى يوقنوا بهم ويعرفوهم ويقفوا عليهم.
  ومعنى بسيماهم: فهو بحليتهم التي كانوا يعرفونها في الدنيا ومعناهم في صفاتهم وخلقهم وتبينهم المعرفة من صورهم.