كتاب المنزلة بين المنزلتين
  للواجبات فاعلاً للمحرمات ثم تاب من ظلمه وأناب ثم مات على ذلك كان عند الله من التائبين وكان من الناجين الفائزين.
  ووجه العدل في هذا أن الله تعالى قد أمر عبده بطاعته ونهاه عن معصيته ووعد من أطاعه ثم استقام على طاعته إلى أن يلقاه الجنة وأوعد من عصاه واستقام على ذلك إلى أن يلقاه النار، وضمن الثواب وأخبر بما يبطل على العبد عمله، فإذا خالف أمر ربه وأبطل عمل نفسه كان هو الظالم لنفسه ألا ترى أن الطبيب إذا أعطى العليل دواءً نافعاً وقال له: تجنب كذا وكذا فإنه يفسد هذا الدواء فخالفه ولم يتجنب ما حماه عنه أن العليل هو الذي أفسد الدواء ولم يكن على الطبيب في ذلك لائمة.
  وقد روي عن رسول الله ÷ أنه قال: «اسألوا الله السداد، فإن الرجل قد يعمل الدهر الطويل على جادَّة من جوادِّ الجنة فبينا هو كذلك دؤباً دؤباً إذ انبرت له جادَّة من جوادِّ النار فيتوجه إليها ويعمل عليها ولا يزال دؤباً دؤباً حتى يختم له بها فيكون من أهلها، وإن الرجل قد يعمل الدهر الطويل على جادَّة من جوادِّ النار فبينا هو كذلك دؤباً دؤباً إذ انبرت له جادَّة من جوادِّ الجنة فيتوجه إليها ويعمل عليها ولا يزال دؤباً دؤباً حتى يختم له بها»(١)، فصح ما قلنا وما إليه ذهبنا.
  وروى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال النبي ÷: «إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وإنما الأعمال بخواتيمها». انتهى(٢).
(١) رواه الأمام أبو طالب (ع) في الأمالي عن زيد بن علي عن آبائه (ع)، ورواه المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) في حقائق المعرفة وغيرهما.
(٢) رواه البخاري في صحيحه عنه، ومسلم في صحيحه، ورواه الطبراني في الكبير، والبغوي في شرح السنة وغيرهم.