شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر عذاب القبر نعوذ بالله تعالى منه

صفحة 244 - الجزء 4

  وأما البلية التي تخصه في نفسه فهدم ما كان مبنياً ومصيره إلى الضعف بعدما كان قوياً وكونه مواتاً جماداً بعد أن كان حيواناً سوياً مع تجرعه للمرارات وكونه من الموت في الغمرات والألم الشديد والكرب المفني له المبيد وحسرة الولي وغمه وشماتة العدو والعنيد ومفارقة من يحب من الناس والأموال والعافية والسلامة والجمال، وكفى بالموت واعظاً وزاجراً عن المحرمات ومرغباً في أفعال الطاعات.

  فلو لم يشاهد الإنسان العاقل ميتاً ولم يره ثم أخبره مخبر صادق لوجب أن يخاف الموت ويزهد في الدنيا الفانية ويرغب في الآخرة الباقية فكيف وهو يشاهد أباه وولده وأخاه وصاحبه وأولياءه تنزع أرواحهم في حجره ثم يحمل الواحد منهم فيدفنه ثم ينسى ذلك ويلهو بفسقه وكفره، قال الله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ١٧ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ١٨ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ١٩ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ٢٠ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ٢١ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ٢٢ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ٢٣}⁣[عبس].

  قال: واعلم أن الصبر على الموت هو الرضا به وترك السخط منه ولأنه لا بد لكل نفس من الموت لمن صبر ولمن لا يصبر قال الله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}⁣[آل عمران: ١٨٥]، وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ٢٧}⁣[الرحمن].

  قال #: واعلم أن الله تعالى أخفى وقت الساعة ووقت هجوم الموت ليكون العبد خائفاً في كل وقت وحين وليكون مستعداً للموت ونزوله في جميع الأوقات ويكون ذلك أقرب إلى البلاء وأنفع للمبتلى ولأنه لو كان العبد يعلم وقت قيام الساعة ووقت هجوم الموت عليه لكان أكثر الناس يتبع الشهوات ويسهو عن الصلوات وجميع الواجبات فإذا قرب منه الموت وعلمه وتحققه تاب