الفصل الأول: في ذكر الموت
  الميت وأقاربه وأصحابه ومن يضره موته وواحدة خاصة للميت في نفسه.
  فأما البلية العامة لجميع المكلفين فإن الله جعل الموت والفناء بلية ابتلى بها عباده لينظر من يؤمن بالآخرة ومن يصدق بالغيب ويفعل ما يأمره به وينتهي عما نهاه عنه فيثيبه ويجزيه ويخلده في الجنان وينظر من يكذب بالآخرة والوعد والوعيد ولا يأتمر بأمره ولا ينتهي عن نهيه فيخلده في النيران ويعذبه بالخزي والهوان، ولو لم يكن موت ولا فناء ولم تكن الجنة والنار غائبتين وكانتا حاضرتين مشاهدتين في الدنيا لم يكن إيمان من يؤمن بها عجيباً ولا كان من يعمل للجنة المشاهدة ويخاف النار المشاهدة مستحقاً للأجر لأن البهائم قد تستجلب المنافع المشاهدة وتنفر عن المضار المشاهدة فصح أن الله جعل الموت بلية وأن من آمن بالغيب يكون مستحقاً للثواب ومن كذب به يكون مستحقاً للعقاب قال الله: {الم ١ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ٣}[البقرة]، فمدح الله من يؤمن بالغيب.
  وأما البلية الخاصة لعيال الميت وأقاربه وأصحابه فإن الله قد جعل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض ولم يجعل لبعضهم غنى عن بعض وقد روي عن أمير المؤمنين # قال: قلت وأنا عند النبي ÷: اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك؟ فقال النبي ÷: «مه يا علي لا تقولن هكذا فإنه ليس أحد إلا وهو يحتاج إلى الناس» قال: فقلت فكيف أقول يا رسول الله؟ قال: «قل: اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك» قال: قلت يا رسول الله ومن شرار خلقه؟ قال: «الذين إذا أعطوا منُّوا وإذا منعوا عابوا» فصح أن موت الإنسان بلية لمن كان محتاجاً إلى الميت.