(فصل): في معرفة الدليل لغة واصطلاحا
  رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[البقرة: ٢٥٨]، وقوله: {رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ٢٤}[الشعراء]، ليس استدلالاً من حيث كونه كلام الله سبحانه فيجب تصديقه لأجل كونه كلام الصادق جل وعلا وإن لم يثر دفينة العقل حتى يقال إنه يصح الاستدلال بالقرآن مطلقاً وإنما هو استدلال بصنع الله سبحانه عليه وتنبيه على أن الله سبحانه إنما يعرف بصنعه الباهر، ولا طريق إلى معرفته من غير صنعه؛ إذ لا يصح تصوره ولا تحديده ولا أن يجاب من سأل عن ذاته تعالى بخلاف ذلك فلا يلزم من ذلك أن يصح الاستدلال بالسمع مطلقاً؛ لأنه يلزم منه الدور كما ذكر.
  يؤيد ما ذكرنا أن الأنبياء À حين استدلوا على أممهم بما ذكر الله سبحانه عنهم كانوا مكذَّبين من أممهم فكيف يصح احتجاجهم عليهم بكلام لا يعرفون صحته.
  وأما قوله: إن ذلك مبني على أن نبوة نبينا محمد ÷ قد صحت وتقررت فهو لا يتهيأ صحتها إلا بعد معرفة ذات الباري تعالى وصحة التوحيد وإلا استحال تصديق الرسول مع الشك في المرسل، وذلك واضح إلا أن يقال إن أصل معرفة ذات الله سبحانه وتعالى جملة ضرورة كما سبق والله أعلم.
  وقد قال الإمام القاسم بن علي العياني # في كتاب الأدلة من القرآن على توحيد الله وصفته ولا بد من معارض لنا في علم القرآن ممن اكتفى بأفانين الكلام وجعل من ذلك دليلاً على الرحمن يقول إن القرآن لا يغني علمه عن النظر فإذا قال ذلك قائل قلنا: فالنظر دلك عليه نفسك أم دلك عليه خالقك في منزل كتابه؟
  فإن قال: إن نفسه دلته على ذلك من قبل دلالة خالقه أحال ووجد الله سبحانه يأمره بذلك أمراً في كتابه ويندبه إليه ندباً ووجد في جميع ما أمر به دليلاً يغني عن كل دليل ويهدي إلى كل سبيل.