[ذكر الحكماء لبعض الوجوه الدالة على الله تعالى]
  للجمادات فعل من الأفعال، أو يجوز ذلك في الاعتقاد والمقال؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: لا يصح الفعل من الجمادات إلا على مجاز الكلام فأما الطبائع فمن ذي الجلال والإكرام لما في ذلك من التفضل والإنعام؛ لأن الحيوانات إنما استقامت أرواحها بطبائع الأطعمة والشراب وذلك من حكمة رب الأرباب ومصلح الأسباب بالأسباب لأن الأغذية لا تعقل أعاجيب التدبير، ولا يُتِم إصلاح الأمور وعجائب الحكمة والتصوير إلا الله العليم الخبير.
  ألا ترى ما صنع من غذاء الأشجار بما نزل من الأهوية من الأمطار وأجرى من العيون والأنهار وصلاح الحيوان والثمار، وجعل في الأشجار مداخل للمياه بمنزلة الحلوق والأفواه فجعل لكل حبة من الثمر مسقى، وجعله للماء طرقاً وأجرى ذلك بلطفه في العروق، وجعلها بمنزلة الحلوق وليس من طبع الماء أن يصعد علواً ولا يسموا إلى أعالي الأشجار سمواً، وإنما طبع على الثقل والانحدار وعلى الثبات في الأرض والقرار فلما رأيناه يطلع إلى بواسق الأغصان علمنا أن ذلك من الواحد الرحمن، وكذلك فعل سيدنا عيسى # فليس منه وإنما نسب إليه وإنما فعله الحركات والسكون والضمير والتقليب للطين والتصوير وذلك فلا يوجب الحياة بعد الممات ولا يوجد الأرواح في الجمادات، انتهى.
[ذكر الحكماء لبعض الوجوه الدالة على الله تعالى]
  واعلم أن الأدلة على الله سبحانه والعلم به كثيرة، والبراهين عليه ﷻ واضحة منيرة لا تخفى على أهل العقول، ولا تندرس على توالي الأعوام والدهور، وعلى الجملة فقد ذكر الحكماء وجوهاً مما أودع الله في جميع العالم دالة على أن صانعه حكيم عليم مختار لا يشبهه شيء وهو اللطيف الخبير، فقالوا: إذا تأملت العالم وجدته كالبيت المبني المعتد فيه جميع عتاده دالاً على صنع صانع باختياره منزه في ذلك عن الإهمال والاضطرار فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة معلقة كالقناديل، والجواهر مخزونة