(فصل): [في حدوث العالم]
  ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم كسيت العظام لحماً ثم طفلاً قد أعد فيه جميع ما يصلح له دينه ودنياه قبل حاجته إليه، وأعطي عينين للبصر وأذنين للسمع وأنفاً للشم، ولساناً للذوق وللكلام، وفماً لإدخال الغذاء، وسبيلين لإخراج الأذى، ويدين للبطش واللمس، ورجلين للمشي إلى أشياء من دقائق الخلقة لا يهتدي وصفها ولا يحسن كشفها من عروق منسوجة ومعدة ومعاء وعصب ودم وجلد وشعر وغير ذلك مما يكثر فيه الكلام.
  ورأيناه يزيد شيئاً شيئاً، ويكبر قليلاً قليلاً حتى يبلغ أشده وقد أعطي العقل الذكي فعند ذلك يستنفع بجميع جوارحه مما يصلح دينه ودنياه، وقبل ذلك يستنفع بها فيما يصلح دنياه.
  إلى أن قال: اعلم أنا لما وجدنا هذا العالم ووجدنا فيه أثر الصنعة ووجدناه محدثاً وقد دللنا على حدثه علمنا أن له صانعاً وهو الله جل وعلا إذ لا يكون صنع إلا من صانع ولا مبدوع إلا من بادع وفي الشاهد أنه لا يوجد محدَث إلا وله محدِث.
  واعلم أن مثل هذا العالم كمثل بيت قد أعد فيه كل ما يحتاج إليه ووضع كل شيء منه موضعه، السماء سقفه، والأرض فراشه والشمس والقمر مثل الشمعتين في البيت والنجوم مثل القناديل، وما أعد في الأرض من العيون والفواكه والزروع والمعادن مثل ما يكون في البيت من الآلة والمتاع والذخائر والعبد كالمخوَّل ذلك البيت وما فيه والعقل الضروري يحكم أنه لا يوجد بيت فيه أثر البناء وعلامة الصنعة إلا وله صانع فكما لا يكون بناء إلا وله بنَّاء ولا كتابة إلا من كاتب علمنا أن لهذا الصنع صانعاً مبتدئاً بادعاً وهو الله أحسن الخالقين ولا يجوز أن يكون صانعه علة أو طبعاً أو نجماً أو فلكاً لما سبق تحقيقه وما سيأتي إن شاء الله تعالى.
  وقال الحسين بن القاسم بن علي #: إن سأل سائل فقال: هل يصح