شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر صفات الله العلي وأسمائه الحسنى

صفحة 326 - الجزء 1

  تحمل المشاق في طاعة الله تعالى لنيل الثواب أولى وإذا لم يطمع نفسه في نيل المنافع الطفيفة إلا بعد تحمل المشاق العظيمة فبأن لا يطمع في نيل منافع الآخرة وملاذ الثواب إلا بمشقة يتحملها وصعوبة يتجشمها أولى وأحق فصار هذا التشبيه في ضمن هذه العادة.

  وأيضاً فإن الله تعالى وعد المطيعين أطعمة في الآخرة لم تُغذ بالأقذار ولم تنبت من الأرض على قرار ولم تقف على انقضاء مدة لأن ذلك أعجب في النفوس وأشهى إليها.

  فأجرى العادة تعالى في ثمار الدنيا وزروعها وحبوبها ألا تحصل إلا بعد هذه الوجوه لتكون ثمار الآخرة وأطعمتها مختصة بهذه المزية اللطيفة والحكيم إذا رغب في الشيء وجب في الحكمة أن يقوي الرغبة بكل وجه متأتٍ ويمكن أن يقال: مثل هذا في توالد البشر لأن أهل الجنة إذا زوجوا من الحور العين ما لم يخلق من نطفة ولم يغذ بدم طمث ولم يكن مضغة يكون تعلق القلوب به أشد والنفوس له أشهى وإلى تحمل المشقة لأجله أحرى.

  فإن قيل: كيف يبطل القول بالطبع ونحن نرى كثيراً من الأطعمة إذا تُنُولت أورثت الأسقام ونرى غيرها تورث الشفاء فلو كانت هذه الأمراض من الله تعالى لم يصح هذا؟

  والجواب والله الموفق: أن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بذلك لحكمة ظاهرة وهو أن العاقل إذا علم أن كثيراً من الأطعة الشهية يحصل عندها المرض واستحسن في عقله اجتنابها خوفاً من ألم منقطع مظنون علم أن اجتناب الملاذ المحظورة خوفاً من ألم دائم معلوم أولى فصار هذا الموضع مشتملاً على هذا التنبيه الحسن، وكذلك أمثال هذه الأمور فإن فيها من الحكمة والتدبير ما يدل على الصانع المختار اللطيف الخبير وهو الله رب العالمين.

  (وبذلك) الذي ذكرناه من صحة الفعل وإحكامه وتمييزه أكمل تمييز ونحو