(فصل): في ذكر صفات الله العلي وأسمائه الحسنى
  للأرحام الواشجة(١) فبطل تلذذ الآباء بالأبناء وتعزز الأبناء بالآباء، وفي هذا زوال مصالح كثيرة من العالم يطول تفصيلها، وقد نبه الله تبارك وتعالى على ذلك فقال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ٥٤}[الفرقان]، فكان معناه والله أعلم: نسباً لما فيه من المصلحة اللطيفة وكان قادراً على أن يبتديه ابتداء.
  ومنها أن العاقل قد أمر بالتواضع واجتناب الكبرياء وأجريت العادة على ما يكون أدعى إلى التواضع لأن العاقل إذا علم أنه خلق من نطفة قذرة وسار من مخرج البول مرة بعد مرة ونشأ من نجاسة يغتذي منها ونبت لحمه وعظمه منها كان هذا كاسراً لشرته وقد نبه الله سبحانه وتعالى فقال: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ٢٠ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ٢١}[المرسلات]، منبهاً على أن من كان كذلك لم يكن له أن يستكبر ويكذّب بل الواجب أن يذل لخالقه ويخضع، وفي هذا وجوه أخر وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.
  وكذلك القول في الثمار والأشجار والحبوب لا تنبت إلا عند شروط مخصوصة من بذر وسقي وغرس في موضع تطلع الشمس عليه حتى إذا كان الموضع مقناة(٢) أدى إلى الفساد فالجواب في ذلك كالجواب في خلق الإنسان وهو أن في ذلك من المصالح ما لا يخفى وذلك أن الله خلق الدنيا للتكليف والامتحان فحسن في الحكمة أن يجري العادة فيما يحدثه على وجه يكون أدعى للمكلف إلى الصالحات.
  وقد علمنا أن المكلف إذا علم أنه لا يحصل على ما ينتفع به من ثمار وزروع إلا بتحمل مشاق من زرع وسقي ثم التكليف للحصاد في موضع قد حميت الشمس عليه ورأى ذلك حسناً في عقله لما يرجو من نفعه علم إذا نظر وفكر أن
(١) الواشجة: الرحم المشتبكة المتصلة. (المعجم الوسيط).
(٢) المقناة: الموضع الظليل لا تطلع عليه الشمس. (المعجم الوسيط).