(فصل): في تنزيه الله سبحانه عن الحاجة
  والله يتعالى عنه، وتجويز الحاجة عليه تعالى يلزم منه أن يكون تعالى آلماً وملتذاً، والألم واللذة عليه محالان.
  بيانه: أن الحاجة هي المنفعة ودفع المضرة، والدليل على ذلك هو أن معقول الحاجة وحقيقتها ليس إلا النفع ودفع الضرر ولا يفهم منها أمر سوى ذلك فإنا متى عزلنا عن أنفسنا العلم بالنفع ودفع الضرر فإنا لا نعقل معنى الحاجة أصلاً.
  والمنفعة هي: اللذة وما يتبعها من فرح وسرور، والمضرة: هي الألم وما يتبعه من غم وحزن، وذلك لأن المفهوم من المنفعة ودفع المضرة ليس إلا ما ذكرناه، فإنا متى عزلنا عن أنفسنا العلم باللذة وما يتبعها والعلم بالألم وما يتبعه لم يمكنا معقول المنفعة والمضرة فثبت بما ذكرناه أن تجويز الحاجة على الله سبحانه يلزم منه أن يكون الله آلماً وملتذاً.
  وأما كون الألم واللذة عليه تعالى محالين فلأن الألم واللذة إنما يعقلان مع الشهوة والنفرة، والشهوة والنفرة لا يجوزان إلا على من تجوز عليه الزيادة والنقصان، والزيادة والنقصان إنما يجوزان في الأجسام لأن من أدرك ما يشتهيه زاد عليه جسمه، ومن أدرك ما ينفر عنه نقص عليه جسمه، وهذا معلوم من حكم الشهوة والنفرة. ذكر هذا الإمام يحيى # في كتاب الشامل.
  وأما المصنف # فلا يحتاج إلى هذا التدريج في الاستدلال؛ لأنه جعل الشهوة والنفرة من الأعراض الحالة في الأجسام وهو قياس قول قدماء أهل البيت $ حيث جعلوا الحواس الظاهرة والباطنة أعراضاً وهي لا تحل إلا في الأجسام وهو واضح.
  (خلافاً لبعض أهل الملل الكفرية) كفنحاص اليهودي ومن وافقه من الكفار فإنه لما نزل قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}[الحديد: ١١]، قال: ما طلب القرض إلا محتاج، وهو تجاهل منهم وتعام عن طريق الحق، وإلا فإنه لا يخفى على ذوي العقول أنه في الآية الكريمة على طريقة التمثيل والمجاز التي هي أبلغ من الحقيقة في الفصاحة.