شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في تنزيهه تعالى عن مشابهة غيره

صفحة 403 - الجزء 1

  (ومعنى قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}⁣[الزمر: ٧٥]) هو تعظيم الملائكة لله سبحانه أبلغ تعظيم بالتسبيح والتقديس والدوام على طاعته والامتثال لأمره على أبلغ الوجوه وذلك لأن هذا اللفظ في حق الله سبحانه (مجاز)؛ لأنه (عبر الله سبحانه) عن هذا أي: (عن تعظيم الملائكة À له تعالى أبلغ تعظيم) بما يعقل في الشاهد أعني (بقوله تعالى: {حَافِّينَ}) من (حيث كان) أي: من حيث ثبت أنه (لا يعرف المخاطب التعظيم البالغ) أقصى رتبة (في الشاهد إلا للملوك) من البشر أولي الأمر والنهي (عند الحفوف) أي: حفوف الخدام من البشر (بها) أي: بالملوك من كل جانب خاضعين لها (وهي على أسِرّتها) والأسرة جمع سرير، (فعبر الله عنه) أي: عن تعظيم الملائكة لله تعالى أبلغ تعظيم (كذلك) أي: مثل ذلك التعظيم الذي إنما يعقله المخاطب بالحفوف من البشر لملوكهم حين استوائهم على الأسرة وهذا من المجاز المركب الذي يسمى تمثيلاً وهو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي وكان وجه الشبه منتزعاً من متعدد.

  وقد شُبه هنا تعظيم الملائكة À أبلغ تعظيم له جل وعلا بفعل الحافين حول سرير السلطان المجتهدين في خدمته والامتثال لأمره، ووجه الشبه منتزع من الحفوف والعرش، فقد أطلق لفظ المشبه به وهو حافين من حول العرش وأريد به المشبه وهو التعظيم كما أطلق لفظ: «يقدم رجلاً ويؤخر أخرى» على المتردد في أمر في قولهم: «إني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى»، وكما أطلق لفظ «الصيف ضيعتِ اللبن» بكسر تاء الخطاب على من تعمد ضياع حاجته ثم طلبها من بعد فوتها، وذلك على قاعدة الاستعارة التحقيقية، وهو أن يذكر المشبه به ويراد به المشبه لقرينة تدل على ذلك. ومثل هذا في كونه مجازاً تمثيلاً قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}⁣[السجدة: ٤].

  (وقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}⁣[الحاقة: ١٧]،