شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في تنزيهه تعالى عن مشابهة غيره

صفحة 439 - الجزء 1

  أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} قال صاحب الكشاف⁣(⁣١) في تفسيرها: إن بعض سفهاء بني إسرائيل طلبوا من موسى أن يريهم الله تعالى بدليل ما حكى الله سبحانه عنهم من قولهم: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}⁣[النساء: ١٥٣]، فأنكر عليهم موسى ~ وألزمهم الحجة ونبههم على الحق فتمادوا وضلوا وقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}⁣[البقرة: ٥٥]، فاراد موسى # أن يسمعوا النص من الله سبحانه باستحالة ذلك فقال الله سبحانه: {لَنْ تَرَانِي} وخر موسى ~ مغشياً عليه من تلك المقالة العظيمة.

  فانظر إلى إعظام الله سبحانه وتعالى أمر هذه المسألة وكيف أرجف الجبل بطالبيها! وجعله دكاً وكيف أصعقهم! ولم يخل كليمه من ذلك مبالغة في إعظام الأمر، وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال: أنا أول المؤمنين!.

  وقال الهادي #: معنى قوله تعالى: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ}؛ فهو: أرني آية من عظيم آياتك، أنظر بها إلى قدرتك، وأزداد بها بصيرة في عظمتك، فقال: {لَنْ تَرَانِي}، يقول: لن تقدر على نظر شيء من عظيم الآيات؛ التي لو رأيتها لضعف جمسك، ولطف مركبك ولأهلكتك، ولما قدرت على النظر إليها لعجزك وضعف مركبك، {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى} هذا {الْجَبَل}؛ الذي هو أعظم منك خلقاً، {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} إذا أريته بعض ما سألتني أن أريكه؛ {فَسَوفَ تَرَانِي}، يقول: فسوف ترى ما سألت من عظيم الآية، ولن تقدر على ذلك أبداً،


(١) هو محمود بن عمر الزمخشري، أبو القاسم الخوارزمي الحنفي مذهباً، صاحب التصانيف العجيبة، والتآليف الغريبة، مثل (الفائق) و (غريب الحديث) و (الكشاف في تفسير القرآن) و (المفصل في النحو) أقام بمكة دهراً حتى صار يعرف (بجار الله) ولد بزمخشر في رجب سنة سبع وستين وأربعمائة، وتوفي ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ذكره في (الجامع)، وقيل سنة ثلاث وثلاثين بجرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة. (طبقات الزيدية باختصار).