(فصل): في تنزيهه تعالى عن مشابهة غيره
  ويقول القائل: رأيت عقل زيد صحيحاً، ونظرت إلى عقله، والعقل عرض في القلب لا يُرى بالعيون، وكذلك يقال: رأينا غضبه ورضاه ونحو ذلك كثير في القرآن ولغة العرب.
  روي أن أعرابياً سأل أبا جعفر محمد(١) بن علي بن الحسين بن علي $ فقال: رأيتَ اللهَ حين عبدتَه؟ فقال: ما كنت لأعبد شيئاً لم أره، فقال: كيف رأيته؟ فقال: لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، منعوت بالعلامات، معروف بالآيات، هو الله الذي لا إله إلا هو. فقال الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
  وأيضاً قد تقرر أنه يجب رد المتشابه من القرآن إلى المحكم كما قال الله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران: ٧]، والمحكم في هذه المسألة هو قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]، وقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف: ١٤٣]؛ لأنه الموافق لأدلة العقل وهو نص لا يحتمل التأويل ولهذا قال #:
  (ولنا) حجة على قولنا ودليلاً على بطلان قول مخالفينا من السمع: (قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهْوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهْوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام: ١٠٣]، ولم يفصل) تعالى بين رؤية الدنيا والآخرة ولا بين المؤمن وغيره.
  (وقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف: ١٤٣]) في جواب قول موسى: {رَبِّ
(١) محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد بن الوصي علي أمير المؤمنين بن أبي طالب أبو جعفر المدني، ولد في حياة جده سنة تسع وخمسين، وفيه روى جابر عن النبي ÷ أنَّه قال: «يا جابر إنك ستعيش حتى تدرك رجلاً من أولادي اسمه اسمي يبقر العلم بقراً فإذا رأيته فأقره مني السلام»، فلما دخل محمد بن علي على جابر وسأله عن نسبه فأخبره، قام إليه فاعتنقه، وقال له: جدك يقرأ عليك السلام. توفي سنة أربع عشرة ومائة، وقيل: ثماني عشرة قد جمعت مناقبه وقدره أشهر] من] أن ينبه عليه. (الجداول الصغرى باختصار).