(فصل: والله لا إله غيره)
  ورازقة لهم وأن تكون خالقة للسماوات والأرضين وما بينهما والعلم بفساد هذا هو من أجلى العلوم الضرورية.
  وعباد الأصنام والأوثان هم خلق كثير كما حكيناه عنهم والخلق الكثير لا يجوز اتفاقهم على ما يعلم فساده بالضرورة فظهر بما ذكرنا أنه ليس عبادة الأوثان والأصنام لأجل كونها خالقة للعالم ولا مدبرة، وحينئذ لا بد لهم من سبب يبعثهم على عبادتها.
  قال: وقد ذكر العلماء لهم أسباباً في ذلك وتأويلات منها أن في الأزمنة السالفة كان أكثر الناس على مذهب الصابئة وكانوا يعبدون هذه الكواكب ويعتقدون فيها أنها أحياء ناطقة مدبرة عالمة ثم اتخذوا من تلك الكواكب هياكل مخصوصة فكانوا يعبدونها ويتقربون إليها لا على أن المعبود في الحقيقة هو ذلك الهيكل بل المعبود هو الكوكب وذلك الصنم هيكل له.
  الثاني: ربما كانوا يعتقدون في بعض الرجال أنهم أبناء الله وأولياء الله فيَعْدَمونهم فاتخذوا صورهم فعبدوها وتقربوا بها ليكونوا لهم شفعاء عند الله تعالى يوم القيامة.
  الثالث: لعلهم كانوا مجسمة أو حلولية فاعتقدوا لضلالتهم حلول الله تعالى أو حلول صفة من صفاته في تلك الأجسام فعبدوها وعظموها لذلك.
  الرابع: أنهم اتخذوا الهياكل قبلة كما أن المسلمين لما سجدوا إلى جانب الكعبة سجد هؤلاء إلى جانب الصنم فليس المسجود له هو الصنم بل هو الله تعالى لكن الكعبة إنما هي قبلة للصلاة وهكذا الصنم إنما هو قبلة للصلاة.
  الخامس: لعلهم كانوا يعبدون هذه الأوثان والأصنام تبركاً بها وتَيَمُّناً بأسمائها لأن بعض أئمتهم أمرهم بذلك فيفعلونه امتثالاً لأمره.
  قال: وهذه التأويلات هي التي يمكن أن تكون عذراً في عبادة العقلاء وأهل الذكاء لهذه الأوثان.