[ذكر بعض خرافات الثنوية والمجوس وغيرهم والجواب عليهم]
  أنفسهما فكان حصول هذا العالم من امتزاجهما، وزعموا أن للنور والظلمة أحكاماً الأول: أنهما قديمان، وأن المرجع بحقائقهما إلى نفوس الأجسام.
  وقالوا: إن كل واحد منهما أجناس خمسة: واحد منها روح، واربعة أبدان، فروح النور هو النسيم، والأبدان الأربعة هي: النور والنار والريح والماء.
  وروح الظلمة هو الدخان، وأبدانها: الظلمة والحريق والسموم والصباب(١)، ثم جعلوا أبدان النور مختلفة الحقائق فيما بينها وسموها ملائكة، وجعلوا أبدان الظلمة مختلفة فيما بينها وسموها شياطين ... إلى غير ذلك من الخرافات التي هي هوس وعمايات ومضاحك وضلالات.
  قال: والذي يتضح لي من مذهب هؤلاء الثنوية أن الذي يعنونه بهذه الأنوار عالم العقل وقواه، ويعنون بأجناس الظلمة عالم الطبيعة وقواها، وأن الإنسان مركب من العالمين جميعاً، وأنهم موافقون للفلاسفة في المعنى، ولهذا قسموا الأنوار إلى خمسة وهي الذي أراده الفلاسفة بالعقول المجردة، وقسموا أجناس الظلمة إلى خمسة وهي التي أراده الفلاسفة بالنفوس الفلكية، والواحد من الأنوار الخمسة هو الله.
  قال: فيقوى عندي تنزيل مذهب الثنوية على هذا لأنا نعلم بالضرورة علماً أولياً استحالة حصول هذه الأجسام الأرضية والسماوية وجميع العالم عن الظلمة والنور كما سنبطل كلامهم بالقول بالامتزاج.
  قال: والاعتراض على ما ذكروه يتضح بمسلكين: الأول: أنا قد دللنا فيما سلف على حدوث الأجسام فإن كان الحق ما قالوه من كونهما جسمين لزم القول بحدوثهما وبطل كونهما قديمين، وإن كان الحق ما قلنا من كون النور عرضاً لزم أيضاً القول بحدوثه لأجل حدوث الأجسام لحاجته إلى المحل
(١) وهو القليل من السحاب. (من هامش الأصل).