(فصل: والله لا إله غيره)
  واستحالة سبق الحال على محله.
  وأما الظلمة فإن كانت أمراً عدمياً كما قلناه فلا كلام في بطلان كونها جسماً وفساد القول بقدمها، وإن كانت صفة ثبوتية كان الدلالة على حدوثها كالدلالة على حدوث النور من غير فرق.
  المسلك الثاني: أن نقول إن الأجسام مشتركة في حقائقها ومعقولاتها ثم هي مفترقة فبعضها نور وبعضها ظلمة، ثم النور في نفسه منقسم إلى أنواع على زعمكم مع اشتراكها في كونها نوراً والظلمة في أنفسها متنوعة مع كونها مشتركة في كونها ظلاماً.
  فنقول: إذا اشتركت في أمر ثم افترقت في أمر آخر فلا بد من أمر لأجله اختصت بهذه الأوصاف التي كانت لأجلها مختلفة وليس ذلك لأمر راجع إلى ذواتها؛ لأنها مشتركة في حقائق ذواتها ولا لأمر يكون لازماً لذواتها فلم يبق إلا أن يكون افتراقها لأجل الفاعل المختار وهو الذي لاءم بين متماثلاتها وباين بين مختلفاتها وباعد بين متضاداتها وهو الله تبارك وتعالى.
  الحكم الثاني: اعتقدت الثنوية أن أجناس الأنوار لا نهاية لها من خمس جهات وأنها متناهية من جهة التحت وأن أجناس الظلمة لا نهاية لها من خمس جهات وأنها متناهية من جهة الفوق.
  ثم زعموا أنهما متلاقيان واختلفوا في كيفية الملاقاة فزعم بعضهم أنهما متماسان، وزعم بعضهم أن بينهما فرجة.
  قال: والاعتراض على ما زعموه يتضح بأوجه ثلاثة: الأول: بإبطالهم بتقرير ما قالوه وبصحة ما توهموه من هذه الأقوال المزورة والأباطيل المنكرة؛ إذ لا مستند لهم فيها إلا الهذَيان الجامد والتحكم الصرف البارد.
  الثاني: أنا نقول إن الغرض الأهم هو بيان أن لهذا العالم بما فيه من الأنوار والظلم صانعاً حكيماً مدبراً عليماً فمتى حصل هذا المقصود فقد تم غرضنا