[المقدمة]
  المصابيح التي هي الأنوار، وهي من إضافة الخاص إلى العام.
  (القاشعة) تلك الأنوار (لسدول الحنادس) أي: لما أرخت الظلم من كثيفات مسوحها أي: ثيابها السود التي لولا تفضل الله بالأنوار لما عرفت الطرق الموصلة إلى معرفة الله تعالى، ولكن الله سبحانه مَنّ وتفضل بها على أوليائه فأزاحت الجهل (عن نهج حق معرفته) سبحانه أي: عن طريق ما يحق ويجب من معرفة الله سبحانه كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
  قال #: أي: عن طريق ما يحق أي: يجب علينا من معرفته لأن الخلق لا يحيطون بذاته علماً وإنما حق معرفته أن يُعلم أنه قديم حي عالم قادر ليس كمثله شيء لا تدركه الأبصار في الدنيا والآخرة ونحو ذلك وإضافة النهج إلى حق معرفة الله سبحانه من إضافة السبب إلى المسبب.
  قلت: القشع كشف الشيء يقال: قشعت الريح السحاب أي: كشفته.
  والسدول جمع سديل وهو ما أرخي على الهودج من الثياب.
  والحنادس جمع حندس وهو الليل الشديد الظلمة. شبه الجهل بالأشياء الكثيفة السود التي يتخذ منها الحجاب المانع عن إدراك ما حجبته واشتملت عليه على طريق الاستعارة المصرحة ثم شبهها بالليل الشديد الظلمة على طريق الاستعارة بالكناية؛ فأثبت لها السدول التي هي الأستار ترشيحاً وأضاف السدول إلى الحنادس تخييلاً، ونظيره في الجمع بين الاستعارتين قوله عز من قائل: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}[النحل: ١١٢]، قال التفتازاني: والذي يلوح من كلام القوم في هذه الآية أن في «لباس الجوع» استعارتين إحداهما تصريحية وهو أنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من بعض الحوادث باللباس؛ لاشتماله على اللابس ثم استعير له اللباس والأخرى مكنية وهو أنه شبه ما يدرك من أثر الضر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع حتى أوقع عليه الإذاقة.