(فصل): في الكلام على من أثبت الذوات في العدم
  فإن قالوا: إنما أخبر الله به مما لم يكن ثابت في العدم أيضاً ليصح تعلق العلم به.
  قلنا: قولكم ليصح تعلق العلم به مجرد دعوى بلا برهان، ونحن نقول: يصح تعلق العلم بالمعدوم أنه يوجد وقت وجوده، وعلم الباري تعالى به قبل وجوده كعلمه به بعد وجوده فأي مانع من هذا كما أن الإنسان يعلم فعله الماضي مع أن علم الله سبحانه وقدرته لا يصح قياسهما على علم المخلوق وقدرته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى]، فعلم المخلوق بالمعدوم الذي يفعله هو تصوره في نفسه وتمثيل صورته في فكرته وكذلك علمه بما مضى من فعله، وعلم الباري جل وعلا بالمعدوم أنه يوجده على الصفة التي يكون عليها ليس بتصور ولا تمثيل إذ لا يدرك جل وعلا المدركات بالحواس ولا يقاس بالناس.
  وأما المرتبة الثالثة وهي في ذكر الدلالة على صحة مذهب أئمة أهل البيت $ فهي ما ذكره الإمام # بقوله: (قلنا) في الجواب عليهم: قولكم: بأن علم الله تعالى وقدرته تحتاج إلى ثبوت المعلوم والمقدور في الأزل (يستلزم الحاجة) على الله تعالى إلى ثبوت تلك الذوات في العدم ليصح علمه بها وقدرته عليها، (وقد مر بطلانها) أي: بطلان الحاجة على الله سبحانه إذ هو الغني عن كل شيء كما مر بيانه، (فلزم) من بطلانها (بطلان ما يستلزمها) أي: ما يستلزم الحاجة وهو ثبوت الذوات في العدم.
  (وأيضاً) فإنا نقول: إنه (لا فرق بين الثبوت والوجود في) اللغة (العربية) علم ذلك بالاستقراء، وقد وافقتمونا في كون الذوات غير موجودة في الأزل فكما أن الذوات غير موجودة في الأزل اتفاقاً فكذلك هي غير ثابتة في الأزل فالثبوت والوجود من الألفاظ المترادفة وكل عاقل عارف بلغة العرب يعلم ذلك ويعلم تناقض قول القائل: ثبت الشيء ولم يوجد أو وجد ولم يثبت.
  (فلو كان لفظ ثابت يطلق عليها) أي: على الذوات (في الأزل حقيقة كما