باب الاسم والصفة
  فالجواب: أنه لا شك أن إطلاق لفظ مدينة العلم مجاز لأنه استعارة بالكناية كما مر ولا سبيل إلى تقدير أداة التشبيه فيه، وأما قوله: أنا مدينة العلم فكذلك أيضاً، ولا نسلم أنه تشبيه وأن معناه: أنا كمدينة العلم على حذف أداة التشبيه، وأن لفظ المدينة مستعمل فيما وضع له وهو القرية الكبيرة المشتملة على البيوت والأسواق والمساجد والحمامات ونحو ذلك بل نقول إن لفظ المدينة مستعمل في غير ما وضع له مجازاً وهو العلم فصح حينئذ أن يكون خبراً عن اسم العين على طريق المبالغة كما يقال: زيد عدل وحينئذ يبطل تقدير أداة التشبيه كما قال صاحب المطول: إنا لا نسلم أن أسداً في قولنا: زيد أسد مستعمل فيما وضع له بل مستعمل في معنى الشجاع فيكون مجازاً استعارة كما في رأيت أسداً يرمي بقرينة جعله خبراً عن زيد، ولا دليل لهم على أن هذا على حذف أداة التشبيه، وأن التقدير زيد كالأسد، واستدلالُهم على ذلك بأنه قد أوقع الأسد على زيد، ومعلوم أن الإنسان لا يكون أسداً فوجب المصير إلى التشبيه بحذف أداته قصداً إلى المبالغة فاسدٌ؛ لأن المصير إلى ذلك إنما يجب إذا كان أسد مستعملاً في معناه الحقيقي، وأما إذا كان مجازاً عن الرجل الشجاع فحمله على زيد صحيح.
  قال: ويدل على ما ذكرناه تعلق الجار والمجرور به كقوله: «أسد عليَّ وفي الحروب نعامة»، أي: مجتر صائل علي، وقوله: والطير أغرِبَةٌ عليه أي: باكية وغير ذلك كثير.
  ومما يروى عن بعض منكري المجاز أنه لما سمع أبا تمام(١) ينشد قوله:
  لا تسقني ماء الكآبة إنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي
(١) حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أبو تمام: الشاعر الأديب. أحد أمراء البيان. ولد في جاسم (من قرى حوران بسورية) ١٨٨ هـ ورحل إلى مصر، واستقدمه المعتصم إلى بغداد، فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق. ثم ولي بريد الموصل، فلم يتم سنتين حتى توفي بها ٢٣١ هـ. له تصانيف منها (فحول الشعراء - خ) و (ديوان الحماسة - ط). (الأعلام للزركلي باختصار).