باب الاسم والصفة
  وكذا قول من قال في مسيلمة إنه رحمن اليمامة فإنما هو لاعتقادهم أنه ربهم الواجبة عليهم طاعته أو متنزل بزعمهم منزلة الرب المالك المنعم الخالق الرازق لكونه رسول الله بزعمهم تسمية للمضاف باسم المضاف إليه (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) أي: عن مقالة الصوفية وعن معتقد أهل الملل الكفرية الردية من أهل اليمامة وغيرهم.
  (وأما رحمة الله) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي غيره (فمجاز) أي: فهي مجاز (لأن العلاقة) فيها بين المعنى الحقيقي والمجازي هي (المشابهة بين فعله تعالى، وفعل ذي الحنو والشفقة من خلقه) ولا يستلزم ذلك المشابهة في الذات؛ لأن المشابهة في الفعل غير المشاهبة في الذات.
  ومن ذلك قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢]، وقوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ١٨٢}[الأعراف]، وقوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال: ٣٠]، وقوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ٤٥}[القلم]، شبه إمهاله تعالى للعصاة وإسبال النعم عليهم والستر عليهم في الدنيا مع ما يتعقب ذلك من الأخذ لهم والبطش بهم في الآخرة بفعل المستدرج والمخادع والمكايد والمماكر من المخلوقين.
  وقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}[الرحمن: ٣١]، من ذلك أيضاً، فهو مستعار من قول الرجل لمن يتهدده: سأفرغ لك يريد سأتجرد للإيقاع بك عن كل شيء يشغلني فهو كناية عن الوعيد على أبلغ وجوهه؛ لأن المعاقب إذا خلا همومه وأشغاله وأغراضه في كل شيء وقصد بكليته وجعل همه هماً واحداً في الإيقاع بمن يعاقبه وينكل به كان ذلك أبلغ في العقوبة وأعظم في الإيعاد، فشبه الله سبحانه وتعالى عقابه الواقع بالعصاة بعقاب من جمع همه وبلغ جهده في استفراغ قوته في عقاب من يريد عقابه فعبر تعالى عنه بما يعبر عنه المخلوق فهو من باب تشبيه فعله تعالى بفعل غيره، وقد حققنا ذلك فيما سبق فلا وجه لإعادته.