شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في حكم أفعال العباد

صفحة 24 - الجزء 2

  



= وبعضهم لم يستطع تفسيره، ففي كتاب أنوار الأصول ١٨/ ١: الأمر بين الأمرين وهو مذهب أهل بيت العصمة في مقابل الجبر والتفويض ثم قال: إن بعض القائلين بهذا المذهب انسحب به المآل إلى مذهب الجبر، ثم قال: كما أن بعض آخر انجر إلى مذهب التفويض ... إلخ. وفي كتاب الأربعون حديثاً للسيد الخميني ١/ ٥٨٤: فتبين بصورة مجملة أن مذهب التفويض والجبر نتيجة البراهين القاطعة والمقاييس العقلية يكونان باطلين وممتنعين، وأن مذهب الأمر بين الأمرين لدى أهل المعرفة والفلسفة العالية هو الثابت والصحيح غير أن العلماء رضوان الله عليهم قد اختلفوا في معنى الأمر بين الأمرين اختلافاً عظيماً، والقول السديد المتقن هو رأي العرفاء الشامخين وأصحاب القلوب ... إلى قوله: ولهذا نتركه لأهله الذين هم أولياء الحق سبحانه، ونسلك منهج الأصحاب في البحث وهو أنا نرفض كلاً من التفويض الذي هو استقلال الموجودات في التأثير والجبر الذي هو عدم تأثير الموجودات نهائياً، ونؤمن بالمنزلة بين المنزلتين ... إلخ. وقال في كتاب الطهارة ١/ ٣٤١: ولهذا ترى أنه قلما يتفق لأحد تحقيق الحق فيه وسلوك مسلك الأمر بين الأمرين من دون الوقوع في أحد الطرفين أي: الجبر والتفويض، سيما الثاني. انتهى.

فإذا عرفت ذلك فلنا في بطلان قولهم: إنه لا دليل عليه، وأيضاً لا يخلو إما أن يكون العبد مستقلاً بإيجاد الفعل، وإما أن يكون إيجاد الفعل مشتركاً بين الخالق جل وعلا وبين العبد، وإما أن يكون الخالق جل وعلا مستقلاً بإيجاده؛ ليس الثالث؛ لأنه الجبر الصريح المعلوم بطلانه عند الجميع، ولا الثاني لاستلزامه نسبة الفواحش والمخازي إلى الله سبحانه وتعالى عن ذلك مثل نسبتها إلى العباد للاشتراك فيها وهذا معلوم البطلان؛ لأننا نقول لمن فعل الظلم ظالم، ولمن فعل الشرك مشرك، ولا نقول به في الله تعالى، هذا إن أريد بالاشتراك نسبة بعض الفعل إلى الخالق جل وعلا وبعضه إلى المخلوق وكان يمكن فيه الاشتراك، وإن أريد به نسبة الفعل كله إلى الخالق جل وعلا ونسبته كله إلى العبد فلنا عليه مع الجواب الأول جواب آخر وهو: استحالة كون الفعل كله من الله سبحانه وهو الذي أوجده وفعله وكونه كله من العبد وهو الذي أوجده وفعله، فإن العقل يحكم باستحالته.

وأيضاً كيف يصح في العقل أن يحمل الله تعالى وهو الغني الذي لا يحتاج والبر الرحيم جميع تبعات المعاصي على عباده الضعفاء المحتاجين ويعذبهم عليها وهو قد شاركهم في إيجادها وفعلها معهم أو تفرد بإيجادها؟! فإذا بطل الثالث وهو استقلال الحق جل وعلا بأفعال العباد والثاني وهو الاشتراك بين الخالق والمخلوق فيها فلم يبق إلا الأول وهو مذهب العترة الطاهرة سلام الله عليهم وجميع العدلية.